العرب الأخرى، التي تعيش كلها في أنظمة تحكمها الفوضى ولا شيء غير الفوضى.
[دستور غير مكتوب]
وقد كانت قريش تعيش هذه الحالة الفريدة المميزة لها على سائر العرب من حيث الموحدة والتماسك والتناسق، بموجب قواعد قديمة موغلة في القدم، اتفقت عليها العشائر القرشية منذ عهد قصى بن كلاب موحد كلمتها، وواضع أسس وحدتها.
وقد كانت القواعد التي تحكم المجتمع القرشي، المتحد في ظلها (عبر القرون) أشبه بالدستور الدائم المقدس (عندهم) غير المكتوب، وبهذا تكون قريش قد سبقت بريطانيا إلى اتخاذ دستور غير مكتوب تحترمه ولا تخرج على حدوده بأكثر من عشرين قرنًا.
فقد كانت جميع العرب في الجاهلية، لا توجد بينها أية مجموعة من عشائر أية قبيلة، استطاعت الوصول إلى ما وصلت إليه قريش من وحدة وتماسك واتحاد فيما يشبه الدولة ذات الكيان الواحد المماسك المترابط رغم الجو العشائرى الذي هو طابع حياتها.
[أول برلمان عربي]
فقد كانت قريش هي القبيلة الوحيدة من بين جميع القبائل الوثنية العربية التي لها (برلمان ومجلس شورى) له نوابه من نحتلف العشائر، يتشاور فيه هؤلاء النواب في الأمور الهامة التي تحتاج إلى بحث ودرس وتشاور، ويتخذون فيه القرارات الملزمة وهو (دار الندوة) التي أول من أسسها (فيما أذكر) قصى بن كلاب الجد الرابع للنبي - صلى الله عليه وسلم -.
لذلك لم يكن طابع المجتمع القرشي الفوضى العشائرية، كما هي الحال عند سائر العرب، بل كانت قريش، بواسطة برلمانها (دار الندوة) تضبط أمورها في محيطها الوثنى، وتسيطر على النظام في المجتمع المكي سيطرة تامة، ويحل زعماؤها الأزمات الداخلية كلما نشبت بين بعض الجهات القرشية، أو بين بعض القرشيين وغيرهم.