وقد ضاعف من نشاط الصحابة في البناء أن رأوا محمدًا النبي، يرفض الامتياز عليهم، فيحمل التراب والمواد الأُخرى على ظهره مثلهم، حتى أن أحدهم قال ينشِّط أَخوانه:
لئن قعدنا والرسول - صلى الله عليه وسلم - يعمل ... لذاك منا العمل المضلّل
وقد تم بناءِ المسجد النبوى على غاية من البساطة، إذ أَقيمت حيطانه من اللبن والطين، أما سقفه فقد جعل من سعف النخل الذي طالما تخللته مياه الأَمطار إلى الداخل، أما أرض المسجد فقد فرشت من الرمال والحصباء، وكانت الأَعمدة التي يقوم عليها السقف من جذوع النخيل.
[أول خطبة للرسول بالمدينة]
وبعد أن تم بناءُ هذا المسجد ذي البناء المتواضع والذي كان أول معهد مثالي في الدنيا تربى فيه (كما قال الأُستاذ الغزالى) ملائكة البشر ومؤدّبوا الجبابرة وملوك الدار الآخرة، أَلقى فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أول خطبة على المسلمين قال فيها (كما رواه البيهقي عن عبد الرحمن بن عوف): "أما بعد أيها الناس فقدّموا لأَنفسكم، تعلمن والله ليصعقن أحدكم، ثم ليدعن غنمه ليس لها راع، ثم ليقولن له ربه - ليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه -: أَلم يأْتك رسولى فبلغَّك؟ وآتيتك مالًا وأَفضلت عليك؟ فما قدّمت لنفسك؟ فينظر يمينًا وشمالًا فلا يرى شيئًا، ثم ينظر قدّامه فلا يرى غير جهنم، فمن استطاع أن يقي نفسه من النار ولو بشق تمرة فليفعل، ومن لم يجد فبكلمة طيبة فإن بها تجزى الحسنة عشر أَمثالها إلى سبعمائة والسلام عليكم، وعلى رسول الله".