كما تقدم في هذا الكتاب، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قام- يقود جميع جيشه- بمطاردة هوازن من حنين، حتى وصل إلى الطائف، حيث يوجد بها أهم أجنحة هوازن (ثقيف) وفرض الحصار على حصونها، وكان يأمل من وراء هذا الحصار أن تستسلم ثقيف للمسلمين، ولكن ثقيفًا قاومت بعنف واستعصت حصونها، فلم ينجح الحصار، فاضطر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى فكه وترك ثقيف وشأنها، فما هي أسباب الإسراع بفك الحصار دونما أية نتيجة إيجابية للمسلمين؟ .. يمكن إيجاز الأسباب في الأمور الآتية:
أ- كانت حصون الطائف منيعة بحيث يصعب على مشاة المسلمين وفرسانهم اقتحامها، وكان لدى الجيش الإِسلامي سلاح ثقيل يستخدم عادة في الهجوم على القلاع والحصون، وهذا السلاح هو المنجنيقات والعرّادات والدبابات، وقد استخدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذا السلاح الثقيل بغية تسهيل مهمة اقتحام تلك الحصون، ولكنَّ الدفاع من ثقيف كان شديدًا والأسوار كانت منيعة بحيث لم يكن القذف بالقذائف النارية وغير النارية ذا أثر فعال على هذه الحصون.
ب- المقاومة الشديدة .. مما لا جدال فيه أن ثقيفًا جيل محارب ممتاز، وكانوا من أهم أجنحة هوازن ولا أدل على شجاعتهم من أنهم فقدوا يوم حنين وحدهم مائة قتيل بمن فيهم قائدهم عبد الله بن عثمان. وكانوا -استعدادًا للمقاومة في الحصون- قد أدخلوا في حصونهم من المواد الغذائية ما يكفيهم لسنة كاملة، أما الماء فقد كان موجودًا بكثرة داخل حصونهم.
وقد كانت مقاومتهم للحصار شديدة، وكانوا ماهرين في القصف بالسهام ومقاومة الدبابات التي يستخدمها المهاجون لنقب الأسوار كدروع يحتمون بها، ولقد كان جل اعتمادهم على القوس والنبل، فقد صوبوا سهامهم بمهارة نحو المسلمين وقصفوهم بها بغزارة مما أحدث بينهم عدة إصابات قاتلة، الأمر الذي اضطرهم إلى التراجع بعيدًا عن مرمى السهام.