والعزل الاجتماعي ضد النبي ومن ناصره وآمن به لم يكن له أثر فعال في منع هذا الدين من الانتشار، فقد ظلت الدعوة إلى الإسلام تشق طريقها وتسجل كل يوم نصرًا جديدًا، لا بين أهل مكة فحسب، بل بين كثير من قبائل العرب خارج مكة، فقد فشا ذكر الإِسلام في شبه الجزيرة العربية بأَكملها، مما حمل الكثير على السفر إلى مكة للتعرف على هذا الدين الذي جاء به من عند الله، ثم الدخول فيه بعد الاقتناع بصدقه.
[إلغاء الحصار الآثم]
ظل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن تبعه على دينه ناصره من ليس علي دينه، ظلوا صامدين ثابتين أمام تعنت قريش وتعسفها، وتحدوا ذلك الحصار الآثم بشجاعة وثبات، بالرغم من أنهم كادوا أَن يهلكوا جوعًا لشدة ذلك الحصار الاقتصادي الخانق، لولا أَن بعض المروءَة والنجدة من مشركي مكة أَنفسهم، كانوا يقومون (في ظلام الليل) بتهريب بعض الأَطعمة الضرورية إِليهم داخل الشعب.
غير أَن العنت والتعسف والقسوة إِذا كانت قد بلغت من أَكثر زعماءِ مكة غايتها، فارتكبوا جريمة المقاطعة الاقتصادية والعزل الاجتماعى في حق إخوانهم وأَبناءِ عمومتهم وأَصهارهم من بني هاشم وبني المطلب، فإن ضمائر بعض هؤلاءِ الزعماءِ قد تيقظت فشعروا بفدح ما ارتكبہت قريش من ظلم وقسوة وتعسف.
فقد تذاكر هؤلاءِ الزعماءُ حول بشاعة الجريمة التي ارتكبتها قريش بحق المحصورين في الشعب، وتعاهدوا على إزالة معالم هذه الجريمة بالسعي الجدى لإِلغاءِ ذلك الحصار الآثم.