للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُؤبه لها. فقد نهى أشد النهي عن أن يأخذ الجندى أي شيء من الغنيمة قبل أن تقسم مهما قلَّ. فقد نادى منادى النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن الغلول (١) عار وشنار يوم القيامة، أدّوا الخيط والمخيط. قال الواقدي: فباع يومئذ فروة ابن عمرو (الموكل ببيع الغنائم) المتاع، فأخذ عصابة فعصب بها رأسه ليستظل بها من الشمس، ثم رجع إلى منزله وهي عليه فذكر فخرج فطرحها، وأخبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: عصابة من نار عصبت بها رأسك، وسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ من الفئ شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يحل لي من الفئ خيط ولا مخيط، ولا آخذ ولا أعطى، فسأله رجل عقالًا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: حتى تقسّم الغنائم ثم أعطيك عقالًا وإن شئت مرارًا (٢).

[نموذج نادر في صدق الجهاد لله]

وفي معركة خيبر ظهرت نماذج من نوع مثالى بلغت أعلى درجات الكمال في صدق الجهاد والحرص على بذل الروح بسخاء ما بعده سخاء في سبيل مرضاة الله تعالى.

فقد روى البيهقي والنسائي: أن رجلًا من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به واتبعه، فقال: أهاجر معك، فأوصى به بعض أصحابه، فلما كانت غزوة خيبر غنم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا، فقسّمه، وقسم للأعرابي، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم (٣).

فلما جاء الأعرابى (إياه) دفعوا إليه قسمه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذه فجاء به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: قسم قسمته. لك. قال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أرمى هاهنا - وأشار إلى حلقه - بسهم، فأموت، فأدخل الجنة.

فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن تصدق الله يصدقك، ثم نهضوا إلى قتال العدو،


(١) الغلول: هو أن يأخذ المحارب شيئًا من الغنيمة قبل قسمها.
(٢) المرار: الحبل (النهاية في غريب الحديث) ج ٤ ص ٨٨.
(٣) الظهر: يكنى به عن الإِبل المعدة للركوب في المغازي وغيرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>