للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمور سجية أساسية وخلقًا مكينًا من أخلاق سيد القادات والشجعان محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ففي يوم أحد عندما انكشف المسلمون نتيجة غلطة الرماة واقتحام خيل خالد بن الوليد مؤخرة المسلمين، ثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - مكانه بمنتهى الشجاعة والثبات، حتى أن ثباته في تلك الساعة الحرجة، كان العامل الرئيسى في تراجع المسلمين عن الهزيمة وتكتلهم وإعادة تنكل قواتهم من جديد وعلى نحو أعاد لهم هيبتهم وسيطرتهم على مكان المعركة رغم الخسائر الفادحة التي نزلت بهم والتي بلغت عشرة في المائة من قواتهم يومئذ (١).

وفي أيام الخندق عندما تحرجت الأمور ونقضت يهود قريظة العهد وتعرَّض المسلمون لأشد الأخطار حتى بلغت القلوب الحناجر، كما جاء في القرآن الكريم، كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمثِّل أعلى مستويات الصبر والشجاعة والثبات، فقد كان بشجاعته وإيمانه يشيع الطمأنينة في النفوس القلقة التي بلغ بها الخوف من جيوش الأحزاب الهائلة حد الاختناق، بل كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقوم بنفسه بأعمال الحراسة. وأين؟ أمام أخطر النقاط التي يمكن أن تكون دون غيرها عرضة لاقتحام خيالة الأحزاب، وذلك على مشارف الخندق في ليال شاتية شديدة البرودة مع العواصف المزعجة، وذلك في وقت تحرَّجت فيه حالة المسلمين وتناقص عدد قواتهم من ألف مقاتل إلى ما لا يزيد على ثلثمائة بعد تسلل المنافقين وضعاف النفوس من صفوف الجيش النبوي خوفًا من قوة الأحزاب التي بلغت عشرة آلاف مقاتل (٢).

وهكذا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - (دائمًا) ملاذ أصحابه، وتصرفه في ميادين الثبات والصبر عندما تشتد خطوب الحرب- عاملًا رئيسيًا في استبسالهم وتقوية روحهم المعنوية وسد المنافذ التي يمكن أن يتسرب منها إلى نفوسهم الخور والتخاذل ساعة الروع وساعة تقاطر البلايا والمحن الحربية عليهم.

[الامتحان العظيم]

حقًّا لقد كانت الهزيمة للمسلمين (عند الصدمة الأولى) امتحانًا عظيمًا


(١) انظر تفاصيل ثبات الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد في كتابنا الثالث (غزوة أحد).
(٢) انظر تفاصيل محنة المسلمين الكبرى أيام الخندق في كتابنا الثالث (غزوة الأحزاب).

<<  <  ج: ص:  >  >>