ما في ذلك شك، وقد صمد الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - والقائد الأكبر لهذا الامتحان، فثبت مكانه كقطب يمكن أصحابه المنهزمين من العودة ليكونوا حوله إذا ما علموا أنه حي باق في موقعه، وما كان لمن هو في منزلة محمد بن عبد الله الهاشمي أن يفرَّ مهما كانت الظروف ومهما كانت النتائج والاحتمالات في تلك الساعات الرهيبة التي لم تمر بجيش للإسلام يقوده النبي - صلى الله عليه وسلم - تجربة مريرة مثل تلك التجربة .. إنه نبي مرسل واثق من نصر الله له ومن يثق بالله لا يمكِّن عدوه منه، ثم إن محمد بن عبد الله سيد السادات وقائد القادات، قائد أعلى لجيش هو مسئول عنه، ولابد من أن يعالج الوضع الذي صار إليه الجيش الإِسلامي (رغم هزيمته) لا يزال سليمًا ولم تنزل به أية خسارة في الأرواح تذكر.
إذن لا بد من إعادته إلى الميدان، إن الذين فوجئوا بهجوم هوازن المباغت الصاعق ليسوا من الجبناء، إن من بينهم من رفعوا الرأس وجعلوا الإسلام يدخل التاريخ من أوسع أبوابه يوم بدر فصمدوا في ذلك اليوم لقوات الشرك وانتصروا عليها وهي تفوقهم في العدد ثلاثة أضعاف، وتتفوق عليها في العتاد والتموين وكل شيء مادي تفوقًا ساحقًا. أما في حنين فقوات هوازن عشرون ألفًا والمسلمون اثنا عشر ألف، إنه ليس هناك تفوق ساحق لهوازن على المسلمين في العدد، إذن فهزيمة المسلمين المفاجئة يوم حنين عند الصدمة الأولى لها أسباب ليس من بينها الجبن أو الخور، إنه (على ما يفسر الخبراء العسكريون) عامل المفاجأة المذهل، ووجود عناصر قبلية بدائية حديثة العهد بالإسلام لا تزال تتحكم فيها الفوضى، كما أنه كانت هناك عناصر داخل الجيش الإِسلامي أظهرت إسلامها {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، هذه العناصر كان لها دور في صنع الهزيمة بما تختزنه نفوسها من بقايا جاهلية جعلتها تتصرف تصرف من يقصد أن تكون الهزيمة للجيش النبوي، ويكون النصر لجيش هوازن، بدليل أن أول المنهزمين في الجيش النبوي عند الصدمة الأولى هم من هذه العناصر كما أكد ذلك وكّرره كبار المؤرخين الذين كتبوا وقائع معركة حنين.
والخلاصة أن الهزيمة عند الصدمة الأولى كانت هزة وامتحانًا اضطربت فيه وحدات الجيش النبوي ثم انهزمت، فثبت القائد الأعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ثباته