للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجيش الإِسلامي .. ظل القلق يساورهم والخوف ينتابهم وخاصة بعد أن نقضوا اتفاقية الصلح بالقتال الذي أبدوه في الخندمة في وجه قطعات خالد بن الوليد.

[الطمأنينة بعد القلق]

ولعل الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - أدرك القلق الشديد الذي يساور نفوس القرشيين عقب وقوع مكة تحت قبضة جيشه المنتصر. لذلك - وبأسلوب عف شريف كريم لا مثيل له - أزال من النفوس كل أثر من آثار ذلك القلق حين وجه كلامه - وهو يلقى خطبته التاريخية في المسجد يوم الفتح - إلى القرشيين المهزومين الخائفين القلقين، قائلا: "ماذا ترون أنى فاعل بكم؟ " فقال نفر من عقلائهم، والفزع ينوشهم - أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت، فقال - صلى الله عليه وسلم - .. "لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، اذهبوا فأنتم الطلقاء".

وبهذا العفو الشامل المطلق الصريح أزال الرسول - صلى الله عليه وسلم - كل أثر من آثار الخوف العالقة بنفوس القرشيين فاطمأنوا، وسكنت نفوسهم، وأكبروا هذا التصرف النبيل من عدوهم اللدود بالأمس المنتصر عليهم اليوم، وكانت هذه المعاملة الرحيمة الحانية الكريمة التي عامل بها الرسول الظافر المنتصر قومه المنهزمين، سببًا في إسراع كل أهل مكة إلى الدخول في الإِسلام طوعًا واختيارًا (١)، وصار فهم - فيما بعد - من أعز الله به الإِسلام فشارك في معارك الجهاد وقاد الجيوش في معارك النصر - مثل عبد الله بن سعد بن أبي سرح الذي فتح أفريقيا وخاض أعنف معركة بحرية شهدها البحر الأبيض المتوسط، فانتصر أسطوله على الأسطول الروماني الذي أغرقت أكثر قطعاته وكانت حوالي ألف سفينة، ومثل عكرمة بن أبي جهل الذي سقط شهيدًا في اليرموك بعد أن قاد كتيبة الفداء التي أوقفت


(١) قال في السيرة الحلبية ج ٢ ص- ٢٢٢ ... اذهبوا فأنتم الطلقاء أي الذين أطلقوا فلم يسترقوا ولم يؤسروا. والطليق في الأصل الأسير إذا أطلق قال: فخرجوا فكأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإِسلام بعد هذا العفو العام الذي ما كانوا يتوقعون أن يشملهم من الرجل الذي لم يتركوا وسيلة للتنكيل به. بل ولقتله (غيلة) إلا وسلكوها أيام محنته وقلة أصحابه وضعفهم قبل الهجرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>