للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كيف هرب عدى بن حاتم إلى الشام]

ولنترك ملك طيئ عدى بن حاتم نفسه يحدثنا عن الحالة النفسية التي كانت عليها عشائر طيئ وعلى رأسها عدى بن حاتم الذي انتابه الرعب، حيث قرر الهرب إلى الشام، بمجرد أن علم باقتراب أية قوة للمسلمين من مواطن طيئ مهما كان عدد هذه القوة، وذلك بعد أن علم أن السيطرة لقوات الإِسلام المسلحة في الشرق والغرب والجنوب والوسط من الجزيرة كاملة، وأنه لم يبق على عداء للإِسلام سوى قبائل طيئ وبعض عشائر قضاعة بدومة الجندل والجميع متجاورون تقع منازلهم في أقصى شمال الجزيرة العربية بالقرب من الحدود الشامية والعراقية.

فقد ذكر ابن هشام في سيرته عن ابن إسحاق، أن عدى بن حاتم الطائي قال: ما من رجل من العرب كان أشد كراهية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سمع به منى.

أما أنا فكنت امرأ شريفًا، وكنت نصرانيا، وكنت أسير في قومى بالمرباع (أي أنه كملك يأخذ الربع من الغنائم التي تغنمها طيئ في الجاهلية) فكنت في نفسي على دين (وهو النصرانية رغم أن قومه وثنيون) وكنت ملكًا في قومى لما كان يصنع بي، فلما سمعت برسول الله - صلى الله عليه وسلم - كرهته. فقلت لغلام كان لي عربي - وكان راعيا لإِبلى -: لا أبا لك أعدد لي من إبلى أجمالا ذللا سمانًا فاحتبسها قريبًا منى، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه البلاد فآذنى (أي أخبرني) ففعل.

ثم إنه أتانى ذات غداة فقال: يا عدى ما كنت صانعًا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن، فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا: هذه جيوش محمد (مع العلم أنه لم تكن هناك جيوش وإنما هي دورية قتال خفيفة ولكنه الرعب العام) قال عَدى: فقلت: فقرب إلى أجمالى، فقربها فاحتملت بأهلى وولدى، ثم قلت: ألحق بأهل دينى من النصارى بالشام، فسلكت الجوشية (١) وخلّفت بنتًا لحاتم في الحاضر (قلت هي السفانة المشهورة


(١) قال ياقوت: الجوشية، جبل للضباب قرب ضرية من أرض ونجد.

<<  <  ج: ص:  >  >>