للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بصيرة وقدرة على الكلام المؤثر والإِقناع. لا أن يحبط محاولة المشركين القرشيين الإِجرامية التي تستهدف إعادة المسلمين إلى جو الشرك الخانق الذي يسيطر على مكة يوم أن كان المشركون في عنفوان جبروتهم. . بل استطاع أن يقنع ملك الحبشة (النجاشي) أن يدخل في الإِسلام. ويعلن ذلك رغم معارضة مجلس الكنائس في مملكته ورغم محاولة أركان دولته القيام بثورة مسلحة لإِسقاطه بعد أن أعلن إسلامه (١). وقد كان النقاش الذي دار في قاعة العرش بمملكة النجاشي، في الحبشة بين جعفر والنجاشى ورسل قريش الذين جاءوا يطالبون النجاشي بتسليم المسلمين لهم. . كان هذا النقاش مثيرًا للغاية دلّ على فطنة وذكاء وإيمان راسخ وجزالة منطق. يتمتع بها جعفر بن أبي طالب. الذي غلب بالحجة والمنطق والحق باطل وفد المشركين في بلاط النجاشي. حتى بلغ التأثر من كلام جعفر، بالنجاشى إلى أن يأمر بطرد وفد المشركين ويعلن حمايته للمهاجرين المسلمين في بلاده، بل وإلى أن يدخل في الإِسلام، بعد أن عرف من حديث جعفر بن أبي طالب أن ما جاء به محمَّد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - هو ما جاء به نبي الله عيسى من مشكاة واحدة. . (انظر تفاصيل هذه القصة الشيقة في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٣٥٦ وما بعدها) وقد سجل جعفر بن أبي طالب تلك الانتصارات للإِسلام على الشرك والمشركين وتمكن بحكمته وقوة إيمانه وقدرته على الإِقناع من إدخال الإِسلام إلى قلب ملك الحبشة نفسه فأسلم على يده (٢) تمكن جعفر من تسجيل وتحقيق كل ذلك وهو دون الثلاثين من عمره.

[محبة النبي الشديدة لجعفر]

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحب جعفرا حبا شديدا لما فيه من خصال قل أن توجد في غيره. قوة الإِيمان وحسن الخلق وطيب العشرة ونقاء الضمير والشجاعة


(١) تمكن النجاشي من القضاء على هذه الثورة وظل "بتأييد من الله" ملكًا مسلمًا على شعب مسيحى حتى توفاه الله في العهد النبوى، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة صلاة الغائب.
(٢) انظر الوثائق السياسية ص ٧٥ - ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>