وكما هي عادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتمشيًا مع روح الشورى التي جاء بها الإسلام والمتمثلة في قوله تعالى:{وَشَاورْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، جمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أصحابه حيث يعسكر في وادي عسْفان وأطلعهم على حقيقة الموقف، مشيرًا إلى التطورات الخطيرة التي حدثت نتيجة تعنُّت قريش وإصرارها على صدّ المسلمين عن المسجد الحرام بالقوة، ذلك الإصرار، الذي تمثل بأَجلى مظاهره في خروج حوالي ثمانية آلاف مقاتل إلى وادي (بلدح) تصحبهم نساؤهم وأَطفالهم وفي مرابطة مائتي فارس على مقربة من المسلمين في كراع الغميم.
فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: هذا خالد بن الوليد على خيل المشركين بالغميم، ثم وقف - صلى الله عليه وسلم - خطيبًا في المسلمين فأَثنى على الله بما هو أَهله، ثم قال (مستشيرًا أصحابه): "أَما بعد فكيف ترون يا معشر المسلمين في هؤلاء الذين استنفروا إليَّ من أطاعهم ليصدُّونا عن المسجد الحرام؟ أترون أَن نمضي أوجهنا إلى البيت فمن صدَّنا قاتلناه، أم ترون أَن نخلف هؤلاء الذين استنفروا لنا، إلى أَهليهم، فإن اتَّبعونا اتبعنا منهم عنُق يقطعها الله، وإن قعدوا قعدوا محزونين موتورين؟ ".
فقام أَبو بكر الصدِّيق فقال: الله ورسوله أَعلم، نرى يا رسول الله الله أن نمضي لوجهنا، فمن صدّنا عن البيت قاتلناه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإن خيل قريش فيها خالد بن الوليد بالغميم".
فقال أبو هريرة: فلم أر أحدًا كان أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكانت مشاورته أصحابه في الحرب فقط.