ولم يكتف يهود بني النضير بالسعى (بمختلف الوسائل) لإثارة الفتنة بين مختلف الفئات والقبائل داخل المجتمع الإسلامي في يثرب بقصد شل حركة الدعوة الإسلامية وإطفاء نورها .. ولم يكف هؤلاء اليهود النجاح الذي حققوه بإنشاء طبقة باطنية خطيرة تعمل لتخريب العقيدة الإسلامية وتمزيق وحدة المسلمين وهي طبقة المنافقين الذين يعملون ضد الإسلام ضمن إطار المجتمع الإسلامي لانتسابهم إلى الإسلام في الظاهر .. والذين في واقعهم ليسوا إلا أجهزة تخريب باطنية سرية تعمل لحساب اليهود (وخاصة بني النضير).
ولم يكتف يهود بني النضير بكل تلك الأعمال الممقوتة التي باشروها ضد الإسلام والمسلمين وكادوا بها أن يقوضوا دعائم المجتمع الإسلامي الناشئ الجديد بما أثاروا (خلال الأربع السنوات) من فتن ودسائس ومؤامرات داخل المجتمع الإسلامي والتي وصل نجاحهم فيها أحيانًا إلى أن جعلوا الحيين الرئيسيين (الأوس والخزرج) يشهر أحدهما السلاح في وجه الآخر بعد اعتناقهما الإسلام (١).
لم يكتف يهود بني النضير بذلك كله، بل وصلت بهم الجرأة والتمادى في الغي واستغلال التسامح النبوى إلى أن يفكروا في التخلص من النبي - صلى الله عليه وسلم - شخصيًا بالقتل، ويرسموا لذلك مخطط اغتيال غادر بشع، ويحاولوا تنفيذ هذا المخطط الجهنمى بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - غدرًا وهو آمن في ديارهم وأعزل من السلاح وعلى بعد عدة أميال من المدينة.
إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتشف مؤامرة اغتيالية في ديارهم قبل تنفيذها بقليل، فغادر ديار هؤلاء اليهود بطريقة سرية مستعجلة وبذلك نجا من تلك المؤامرة الدنيئة فأحبط مفعول ذلك المخطط الخبيث الذي كان يهود بني النضير قاب قوسين أو أدنى من تنفيذه.
(١) انظر تفاصيل محاولة اليهود إثارة الفتنة بين المسلمين في كتابنا (غزوة بدر الكبرى) ص ١٠٥ الطبعة الرابعة.