هرقل قد نزل "مآب" من أرض البلقاء في بهراء ووائل وبكر ولخم وجذام في مائه ألف عليهم رجل من بلى يقال له مالك، فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا ليلتين لينظروا في أمرهم وقالوا: نكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنخبره الخبر، فإما يردنا وإما يزيدنا رجالًا. فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم ابن رواحة فشجعهم ثم قال: والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد. ولا بكثرة سلاح. ولا بكثرة خيول إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به. انطلقوا والله لقد رأيتنا يوم بدر ما معنا إلا فرسان، ويوم أحد فرس واحد، وإنما هي إحدى الحسنيين، إما ظهور عليهم فذلك ما وعدنا الله ووعدنا نبينا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على مثل قول ابن رواحة.
[تحصن المسلمين في مؤتة]
لا شك أن قائد جيش المسلمين زيد بن حارثة وهيئة أركان حربه (بعد أن بلغهم عدد الجيش الروماني ومسانديه من العرب المتنصرة) وقد وضعوا في حسابهم (وهم يرسمون الخطة للمعركة) أسلوب التطويق الذي قد يلجأ إليه القائد الروماني (تيودور) ليسهل عليه القضاء على المسلمين إما بإبادتهم أو إجبارهم على الإستسلام.
وفي حساب المقاييس الحربية العادية المجردة ليس من الصعب بل من أيسر الإجراءات -على مائتى ألف مقاتل مجهزة أحسن تجهيز ومسلحة أحسن تسليح. أن تقوم بتطويق ثلاثة آلاف وإبادتها عن آخرها. أو إجبارها على الاستسلام .. ذلك منطق عسكرى لا غبار عليه .. وذلك دونما شك هو الذي على أساسه يكون القائد الروماني (تيودور قد وضع خطه للمعركة التي ما كان يتصور أنها ستدوم أكثر من ساعة أو بعض ساعة- يتم فيها لجيشه العرمرم اللجب (مائتى ألف مقاتل) أن يمحو من الوجود جيش المسلمين الصغير جدا (ثلاثة آلاف مقاتل).
ولا أعتقد أن أحدا يستطيع مناقشة القائد الروماني (تيودور) عند ما يقرر (سلفا) أن الفناء الكامل لجيش الإسلام في البلقاء أو الاستسلام حتى