غير أَن رواسب من المعارضة الشديدة للصلح بقيت في نفوسهم، فعز عليهم أن يعودوا دون أَن يقضوا مناسكهم فيطوفوا بالبيت وينحروا هديهم ويحلقوا رؤوسهم داخل مكة، ولذلك عصوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أول الأَمر، فلم يمتثلوا أَمره حيث التزموا الصمت فلم يجبه أَحد إلى ما أَمر به من نحر البُدن وحلق الرؤوس.
[النبي يعمل بمشورة امرأة]
وقد اغتنم النبي - صلى الله عليه وسلم - لموقف الصحابة من أَوامره التي لم ينقّذوها، فدخل خيمته غاضبًا، وكانت زوجته أُمّ سلمة موجودة معه في خيمته، فرأت عليه علامات الاستياءِ والغضب عندما دخل عليها، وكزوجة يهمها أَن تشارك زوجها همومه وأحزانه، سأَلته عن سبب ما هو عليه من الغضب، فأَخبرها بعدم استجابة أصحابه حين أمرهم بأَن يحلّوا إحرامهم فينحروا ويحلقوا.
وهنا تجلّت مشاركة المرأَة المسلمة بعقلها الراجح ورأيها الصائب إِبداءِ المشورة لحل المشكلات الكبيرة ... هذه المشورة التي لم يتردد حتى من هو في مقام النبوَّه من قبولها والعمل بها، الأَمر الذي يثبت إِلى أَي مدى من العمق والبعد كانت روح الشورى تضرب بجذورها في أُصول التعاليم الإسلامية، وكيف كانت روح تعاليم هذا الدين العظيم عندما تكون لها السيادة تجعل القائد - حتى وإن كان في أَعلى مراتب القيادة والسيادة - يلتزم العمل بالمشورة الصائبة حتى وإن كانت هذه المشورة قد جاءَت من امرأَة. بل لا فرق في نظر الإِسلام بين أَن تأْتي هذه المشورة من رجل أَو امرأَة طالما أنها مشورة صائبة .. وهذا عين التكريم للمرأَة