المدينة. إذا بغبار يسد الأفق من بعيد (جنوبا) ناحية الجزيرة خلف ظهر الجيش الإسلامي. أثارت هذا الغبار سنابك خيل تركض بأقصى سرعة.
وما هي إلا برهة وجيزة حتى دوت أرجاء (مؤتة) بأصوات التهليل والتكبير منبعثة من بين ثنايا ذلك الغبار الذي حجب الأفق. ثم انشق هذا الغبار عن كتائب من الفرسان تتبع إحداهما الأخرى في تنسيق وإحكام راكضة نحو المسلمين في (مؤتة) قد رجفت الأرض رجفا لوقع حوافر خيلها المنطلقة بأقصى سرعة وأصوات فرسانها تصم آذان الرومان بالتهليل والتكبير. ولإِدخال مزيد من الرعب في قلوب الرومان. اهتز معسكر المسلمين المواجه للرومان في (مؤتة) بالتكبير والتهليل. كل ذلك تم بتخطيط محكم من القائد المحنك المظفر خالد بن الوليد.
وكان ذلك آخر حلقة في الخطة الرائعة التي أحكمها القائد خالد لتضليل قادة الجيش الروماني وإيهامهم بأن مددًا عظيمًا قد تلقاه المسلمون في (مؤتة) من المدينة.
فقد أيقن قادة الجيش الروماني أن كل ما رأوه من تغير شامل في رجال القوات الإسلامية في الميمنة والميسرة والقلب وتدفق هذه الكتائب التي رأوا غبار وقع سنابك خيلها يحجب الأفق منذ الصباح الباكر خلف خطوط المسلمين. إنما هو مدد كبير يمثله جيش عظيم جاء من المدينة لمساندة المسلمين ليستمروا في خوض المعركة في مؤتة حتى النصر.
[خالد يهاجم الرومان ويلحق بهم أعظم الخسائر ثم ينسحب]
ونتيجة هذا الاعتقاد الذي أوجده لدى القادة الرومانيين نجاح خطة التضليل البارعة التي نفذها خالد بن الوليد. دب الفزع والرّعب إلى نفوس الرومان وسادهم الهرج والمرج ولسان حالهم يقول: إذا كان ثلاثة آلاف مقاتل من هؤلاء المسلمين قد فعلوا كل هذه الأفاعيل بالرومان وحلفائهم وظلوا يجالدون مائتى ألف مقاتل طوال ستة أيام. منزلين بهم أفدح الخسائر فماذا عسى أن يصنعوا بهم إذن بعد أن وصل إليهم هذا المدد الكبير من المدينة؟