يؤنبوننى حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأكذب نفسي، فلقيت معاذ بن جبل وأبا قتادة فقالا لي: لا تطع أصحابك وأقم على الصدق، فإن الله سيجعل لك فرجًا ومخرجًا إن شاء، فأما هؤلاء المعذّرون، فإن يكونوا صادقين فسيرضى الله ذلك ويعلمه نبيه، وإن كانوا على غير ذلك يذمهم أقبح الذمّ ويكذب حديثهم، فقلت لهم: هل لقى هذا غيرى؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل مقالتك، وقيل لهما مثل ما قيل لك. قلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع وهلال بن أمية الواقفي فذكروا لي رجلين صالحين فيهما أسوة وقدوة.
[فرض العزل الاجتماعى الذين خلفوا]
ثم يتحدث كعب بن مالك عن الآلام النفسية المبرحة التي عاناها وصاحباه نتيجة العزل الاجتماعى الذي فرضه الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليهم فيقول: ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلامنا أيها الثلاثة - من بين مَنْ تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا، حتى تنكرت لي نفسي والأرض التي كنت أعرفها، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباى فاستكانا فقعدا في بيوتهما، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم، وكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين وأطوف بالأسواق، فلا يكلمنى أحد، حتى آتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأسلم عليه فأقول في نفسي: حرك شفتيه برد السلام على أم لا؟ ، ثم أصلى قريبا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتى نظر إلى، وإذا التفت نحوه أعرض عنى، حتى إذا طال ذلك على من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورت حائط أبي قتادة، - وهو ابن عمى وأحب الناس إلى - فسلمت عليه، فوالله ما رد على السلام، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلمنى أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت قلت له: يا أبا قتادة، أنشدك الله، هل تعلمنى أحب الله ورسوله؟ فسكت، فعدت فنشدته الثالثة فقال: الله ورسوله أعلم، فاضت عيناى، فوثبت فتسورت الجدار ثم غدوت إلى السوق.
[ملك غسان يتصل بكعب بن مالك يغريه بالكفر]
ويستطرد كعب بن مالك فيتحدث عن أمر ضاعف من آلامه النفسية،