لقد صبر المسلمون وامتنعوا عن الذهاب إلى مكة طيلة هذه الخمس السنوات، والسبب في ذلك أنهم كانوا (من الناحية العسكرية) في مركز لا يمكنهم من مباشرة حقهم الشرعي من الطواف بالبيت واقتحام مكة عنوة لمباشرة هذا الحق المشروع إذا ما حاولت قريش منعهم من مباشرته بالقوة.
أما وقد أصبحوا قوة لها وزنها قادرة على مباشرة هذا الحق ولو عن طريق اقتحام مكة عنوة، فلا بد لهم من التوجه إلى مكة لأداء نسك العمرة الذي حرموا منه (بغيًا وعدوانًا) طيلة خمس سنوات كاملة.
لذلك أعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحاضرة والبادية أنه قرر التوجه إلى مكة, وأعلن صراحة أنه لا يريد دخول مكة غازيًا وإنما معتمرًا مسالمًا .. وأرسل إلى قريش ممن يبلغها ذلك لئلا تظن أنه جاء محاربًا.
[الاستعداد للطواريء]
ولكنه - صلى الله عليه وسلم - مع نواياه السلمية وتجرُّده الكامل في هذه الرحلة للنسك أدخل في حسابه أن قريشًا قد تحاربه وتصده عن البيت بقوة السلاح، فقرر أن يحتاط لهذا الاحتمال الذي لا يستبعد حدوثه والذي أقدمت عليه قريش الشرك بالفعل.
فقد استنفر المسلمين حاضرة وبادية ليصاحبوه فيه هذه الرحلة التي هي دونما شك رحلة محفوفة بالأخطار .. لأنه لم يكن بينه وبين قريش (عدوه الرئيسي) أي عهد أو صلح، بل كانت الحالة بين الفريقين حالة حرب مُعلنة.