إنه يمكن القول: أن واقع المسلمين الألفين الذين زاروا مكة في عمرة القضاء (عام سبع من الهجرة) قد قسم مشركى مكة فريقين .. فريق امتلأت نفسه خوفًا ورعبًا من المسلمين وقر في نفسه بأن هؤلاء المسلمين لا يمكن لأحد الوقوف في وجههم. وهذا نوع من النصر بالرعب الذي جاء في الحديث النبوى.
وفريق أدخل الله في نفسه الميل نحو الإِسلام (اقتناعًا بأنه دين الحق القمين بالاتباع) فأصبح - بعد عمرة القضاء - لديه الاستعداد الكامل لأن يدخل في هذا الدين.
وكل الذي شعر به الفريقان. جاء نتيجة ما لاحظوه ولمسوه في المسلمين من انقلاب في السلوك، تحول بهم من الشر إلى الخير في كل شيء. وأحال فوضاهم إلى ضبط وانتظام. وذلتهم إلى عزة واعتزاز. وفرقتهم إلى وحدة واتحاد وتباغضهم إلي محبة وتآخ.
[خالد بن الوليد وأبو سفيان بن حرب]
وكان خالد بن الوليد بطل قريش وقائد سلاح فرسانها أول الزعماء الذين تأثروا تأثرًا بليغًا بواقع المسلمين الذي رآهم عليه عندما جاؤا لأداء عمرة القضاء. فأدخل الله الإِسلام في قلبه فصارح بذلك قريشًا وصكهم بها صك الجندل. حين أبلغهم بأن عاقلًا بعد الآن لا يجوز له التخلف عن متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - والدخول في دينه. لأنه نبي صادق. لا ساحرًا كاذبًا كما يدعون.
فقد وقف خالد بن الوليد (عقب مرور ثلاثة أشهر فقط على عمرة القضاء) وقف في جمع من قريش بمكة ونادى بأعلى صوته (متحديًا المشركين): (لقد استبان لكل ذي عقل أن محمدًا ليس بساحر ولا شاعر وأن كلامه من كلام رب العالين. فحق على كل ذي بني أن يتبعه).
فأزعج ذلك زميله في قيادة سلاح فرسان قريش وابن قبيلته (عكرمة بن أبي جهل) فأنكر عليه هذا القول وقال له: لقد صبؤت يا خالد.
فقال له خالد (بكل شجاعة وصراحة): لم أصبؤ ولكنى أسلمت.