العفو العام الذي منحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأهل مكة بمثابة مزيل سريع لأغلفة الظلام التي تغلف البصائر فلا ترى الإِسلام إلا من خلال منظار قائم أسود. ولكن ها هي ترى الحقيقة مجسدة. ترى رسول الإِسلام "وهو في مركز القوة وفي ذروة الانتصار" يعطى الصورة الحقيقية المشرقة للإِسلام وتعاليمه وغاياته وأهدافه النبيلة. بذلك التسامح المتمثل في ذلك العفو العام الذي لم يسبق في التاريخ لقائد منتصر أن منح مثله لأعدائه المهزومين.
[عودة إلى المنطلق]
بات "تلك الليلة التاريخية"، أبو سفيان بن حرب تحت مراقبة العباس بن عبد المطلب في خيمته داخل المعسكر، ولم يذكر المؤرخون ما دار من أحاديث خاصة داخل الخيمة تلك الليلة الحاسمة بين العباس وصديقه أبي سفيان بن حرب، غير أنه مما لا شك فيه أن العباس "وقد أصبح وسيط السلام الأول والوحيد بين الرسول وبين قريش" قد بذل مجهودًا كبيرًا في أحاديث خاصة تلك الليلة ليقنع سيد قريش وزعيمها لينخلع من الشرك ويصبح أحد أعضاء الأسرة الإِسلامية الكبرى. ويكون بالتالى مبعوث خير وسلام وتهدئة وتطمين إلى قومه في مكة المكرمة.
[القلق والشائعات في مكة]
كانت الطرق والمسالك المؤدية من العسكر النبوى إلى مكة تحت مراقبة شديدة من الشرطة العسكرية الإسلامية "كما قلنا" لا يدع رجال هذه الشرطة أحدًا يدخل المعسكر أو يخرج منه إلى أي مكان منعًا لتسرب أي أنباء عما يجرى داخل المعسكر إلى أهل مكة المشركين.
لذلك فشل جواسيس قريش عن معرفة حقيقة ما يجرى داخل المعسكر النبوى من إجراءات، وهل سيقتحم الجيش النبوى مكة عنوة ويستبيحها قتلا وأسرًا ومصادرة كما هي شرعة الحرب المعمول بها لدى القوات الغازية القوية المنتصرة بين مختلف الشعوب والأم في ذلك العصر، أم سيعتبرها مدينة مفتوحة ممنوع على جند الإِسلام سفك الدماء فيها؟