وظل ثوار العيص المسلمون يديرون شئونهم بأنفسهم - بقيادة أبي بصير ونائبه أبي جندل - ليست لهم أية صلة إدارية بالمدينة. بسبب صلح الحديبية الذي التزم فيه المسلمون كما التزم فيه المشركون بأن لا يباشر أحد الطرفين ضد الآخر أية أعمال حربية لمدة عشر سنوات.
ولهذا فإن ثوار العيص الأبطال لم يفكروا في الاتصال بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن أعمالهم العسكرية التي يقومون بها ضد قريش. أو بشأن ما يغنمون من أموال هؤلاء القرشيين. لا سيما بعد أن أبلغ الرسول - صلى الله عليه وسلم - الثائر الأول (أبا بصير) أن اعتباره - صلى الله عليه وسلم - سلب العامري (الذي قتله أبو بصير) وبعيره غنيمة يخمِّسها فيه مخالفة لاتفاقية صلح الحديبية. ولهذا لم يقبله الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
[حكومة العيص المستقلة]
ولهذا يمكننا (إذا تجاوزنا في التعبير) أن نقول: إن ثوار العيص قد أنشأوا لهم (في العيص) ما يشبه الحكومة المستقلة قوام جيشها (الذي هو أيضًا شعبها) ثلاثمائة رجل. أقضوا مضاجع القرشيين في مكة وشلوا حركتهم التجارية. بعد أن ألحقوا بهم الخسائر الفادحة في الأرواح والأموال، بينما ظلوا (في قرارة أنفسهم) على ولاء كامل لحكومة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة.
وإذا كانت المدينة (بدون ما تدبير من حكومتها) قد استفادت (عسكريًا وسياسيًا) من نشاط الثوار في العيص. لارتباطها بهؤلاء الثوار عقائديًا. إذ هم (في الواقع) محسوبون عليها ومنها وإليها (كمسلمين) حال وفاء النبي - صلى الله عليه وسلم - لكفار مكة بالعهد الذي أبرمه معهم في الحديبية دون استقبالهم وإيوائهم في المدينة. فإن المعسكر القرشي بمكة قد تضرر إلى أبعد الحدود واشتد جزعه بعد أن أصيب بأفدح الخسائر في الأرواح والأموال.