للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَعظم - صلى الله عليه وسلم - الذي يدرك ما لا يدركون - في تجنب القيام بأَي عمل يكون من شأْنه زيادة حدة التوتر والإِسراع إلى إِراقة الدماءِ.

وهكذا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إزاء كل ما أَقدمت عليه قريش من حماقات تمثَّلت في استفزازتها للمسلمين والإصرار على اللجوءِ إلى السلاح لمنعهم من دخول الحرم، التزم ضبط النفس وكظم الغيظ، ولم يتسرَّع في الإِقدام على أَية خطوة من شأْنها قدح شرارة الحرب إلى أَعلن - على لسان مبعوثيه الخاصين إلى قريش وأَمام رسالها ووسطائها الذين زاروه في معسكره بالحديبية - كرهه لها ورغبته الأَكيدة الصادقة في تجنبها، وأَنها آخر ما يفكر فيه من الوسائل لإِقناع قريش بالتسليم بحق النبي وأَصحابه في الطواف بالبيت وتركهم يباشرون هذا الحق.

[بيعة الرضوان نقطة التحول في حل الأزمة]

ك ان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني كل كلمة يقولها عندما أَعلن في اليوم الأَول الذي نزل فيه بأَصحابه الحديبية، بأَنه قد استبعد نهائيًا فكرة محاربة قومه عن طريق البدءِ بالهجوم، وأَنه مستعد لفتح الحوار معهم، وعلى استعداد لقبول أَية خطة سلام يعرضونها يكون فيها للحفاظ على صلة الرحم وصون حرمة الحرم عن سفك الدماء حين قال: "لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسأَلوني فيها صلة الرحم إلَّا أَعطيتهم إياها" (١) وفي رواية: "أَما والله لا يسأَلوني اليوم خطة في تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها" (٢). ثم أَمر أَصحابه بالعودة حيث عسكروا في الحديبية


(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٢٤.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٥٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>