الحقائق أيضًا من الواقع التاريخي والتي قد لا تكون النصوص كافية لإِثباتها أو استخراجها كلها من واقع الأحداث التي عنها نتحدث.
واستنادا إلى قاعدة الفيلسوف ابن خلدون التي وضعها لتقييم التاريخ واستخدام العقل - بالإِضافة إلى النصوص - للغربلة والاستدراك والاستنتاج. أدى بنا الاجتهاد والاستنتاج والمقارنة والتقييم إلى الاعتقاد بأن عدد القتلى التي ذكرتها النصوص في كتب التاريخ (كحصيلة لمعركة مؤتة الفاصلة الرهيبة) لا تتناسب وضراوة هذه المعركة وعنفها والأعداد الهائلة من المحاربين الذين اشتركوا فيها وظلوا يتجالدون فيها طوال عدة أيام، حسبما ذكره وأجمع عليه كافة المؤرخين وأصحاب المغازي والسير.
وعلى العموم فإن هذا القول منا. هو مجرد نظر واجتهاد واستنتاج، قد نكون مخطئين فيه والكمال لله وحده وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[تعقيب ابن كثير على عدد قتلى المسلمين في المعركة]
ويمكن القول أن إماما واحدا من أئمة كتاب التاريخ -هو الإِمام ابن كثير صاحب أكبر موسوعة في التاريخ وهي البداية والنهاية- قد عقب على قلة عدد القتلى المسلمين في هذه المعركة الطاحنة. فاستعجب أن يكون عدد القتلى اثنا عشر فقط: مع ضراوة المعركة وشدتها وضخامة الأعداد الهائلة من المحاربين الذين اشتركوا فيها لعدة أيام. فقال (بعد أن ذكر أسماء الاثنى عشر شهيدا من المسلمين وكأنه قد استقل هذا العدد). . وهذا عظيم جدًّا أن يتقاتل جيشان متعاديان في الدين، أحدهما وهي الفئة التي تقاتل في سبيل الله (عدتها ثلاثة آلاف) وأخرى كافرة (وعدتها مائتا ألف مقاتل)، من الروم مائة ألف، ومن نصارى العرب مائة ألف، يتبارزون ويتصاولون، ثمَّ مع هذا كله لا يقتل من المسلمين إلا اثنا عشر رجلًا، وقد قتل من المشركين خلق كثير. . هذا خالد بن الوليد وحده يقول: . لقد اندقت في يدي يومئذ تسعة أسياف وما صبرت في يدي إلا صفيحة يمانية (١) فماذا ترى قد قتل (أي خالد) بهذه الأسياف كلها: دع غيره من الأبطال
(١) صحيح البخاري ج ٥ ص ٢٩٥ طبعة إدارة الطباعة المنيرية بمصر.