وقد يكون البيزنطيون أرخوا لمعركة مؤتة وذكروا تفاصيلها وأعطوا إحصاءا دقيقا عن عدد قتلى الفريقين. ولكن هذا التاريخ ضاع كما ضاع العنصر البيزنطى نفسه وتلاشى بعد أن اختلط وامتزج بسلالات وشعوب أخرى حتى لم يعد له أي وجود كأمة مستقلة. كما هو الحال بالنسبة للعرب.
أما الشهداء الاثنا عشر فكلهم مشهورون معروفون فهم من الأنصار والمهاجرين ومن أهل المدينة. فعندما افتقدهم أهلوهم شاع خبر استشهادهم وسهل على رواة الحديث وكتاب التاريخ والسير أن يسجلوهم في سجلاتهم. لا سيما وأن قطبى تدوين السيرة النبوية (محمَّد بن عمر الواقدي ومحمد بن إسحاق) هما من أهل المدينة.
أما الشهداء من أبناء القبائل من أهل البادية (وهم الأكثرون فيما نظن) فلم يكن (بالتأكيد) لشيوع ذكر استشهادهم ما كان لشيوع ذكر استشهاد أهل المدينة من المهاجرين والأنصار، لأنَّ ذويهم منتشرون متفرقون في نواحى البادية. فصار من الصعب على المختصين في تدوين السير والمغازى من أهل الحاضرة الحصول على أسمائهم وأعدادهم، وليس هناك ديوان إحصاء للجند في ذلك العهد يسجل فيه المنخرطون في سلك الجيش. ثمَّ إثبات أسماء الذين تم استشهادهم في المعركة. حتى يحرص ذوو الشهداء من أهل البادية على تسجيلهم في هذا الديوان. ويسهل بالتالى على كتاب السير والمغازى الحصول على أسمائهم وأعدادهم بصورة دقيقة كاملة. . فمما لا شك فيه (إذن) أن هناك جنودا للإِسلام مجهولين كثيرين استشهدوا في معركة مؤتة الطاحنة كلهم من أبناء القبائل البادية. لم يعرف عددهم ولم تعرف أسماؤهم للأسباب التي ذكرنا.
هذا مجرد اجتهاد واستنتاج وتقييم جعلنا نبديها استساغتنا للقاعدة الفلسفية التاريخية التي وضعها فيلسوف التاريخ والاجتماع الأوّل الإِمام ابن خلدون والتي أخذنا بها. . والقائلة (وكما طبقها الإِمام ابن خالدون في مقدمته الشهيرة) أن على المؤرخ الباحث أن لا يجمد على النصوص المتعلقة بالتاريخ بل عليه أن يقيم الأحداث ويزن الأمور بميزان العقل ويستخرج