للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قبل أن يصلوا الصبح، فطلبوا من عبد الرحمن بن عوف أن يؤمهم ليصلوا، ففعل، غير أنه ما كاد يركع الركعة الأولى حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فنبه المسلمون عبد الرحمن بن عوف لقدوم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك عن طريق التسبيح ليتنحى عن مكان الإِمامة للرسول صلى الله عليه وسلم ففعل حيث أخذ يتقهقر إلى الصف الأول، فأشار الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عبد الرحمن بأن يستمر في صلاته "إماما" فامتثل وصلى خلفه الرسول صلى الله عليه وسلم مأمومًا، فلما سلم عبد الرحمن بن عوف تواثب الناس، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضى الركعة الباقية .. وفي هذه المناسبة شهد النبي صلى الله عليه وسلم بأن عبد الرحمن بن عوف من صالحى أمته، فقد قال - بعد أن فرغ من صلاته -: أحسنتم، أنه لم يتوف نبي حتى يؤمه رجل صالح من أمته (١).

[وقفة تشريعية]

وكما هي دائما أقوال وأفعال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله تشريعات وقوانين يعمل بها المسلمون، فإن قولا قاله صلى الله عليه وسلم وهم سائرون إلى تبوك في نزاع حدث بين رجلين من أصحابه، صار هذا القول تشريعا عمل به الفقهاء في الجنايات، فقد ذكر أصحاب السير أن يعلى بن منبه (٢) أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل أجير له، قد "نازع رجلا من العسكر، فعضه ذلك الرجل، فانتزع الأجير يده من فِيِّ العاض فانتزع ثنيته، فلزمه العاض المجروح، فبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم لمقاضاته وهو يطمع في التعويض، قال يعلى: وقمت مع أجيرى لأنظر ما يصنع، فأتى بهما النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يعمد أحدكم فيعض أخاه كما يعض الفحل، فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب من ثنيته (٣)، لأن العاض هو المعتدى، وثنيته إنما انتزعت نتيجة اعتدائه.


(١) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠١٢.
(٢) لعله يعلى بن أمية الصحابي الشهير والبارز ذكره في قضية مقتل الشهيد عمان (انظر أسد الغابة ج ٥ ص ١٢٨).
(٣) مغازي الواقدي ج ٣ ص ١٠١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>