لقد كان (هرقل) كعالم بالتوراة والإنجيل. يعلم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو النبي الذي كانوا ينتظرونه. ولكنه كتب إلى روما ليكون ما يتسلمه من تأييد لرأول عامل إقناع لأهل الحل والعقد في دولته، بالدخول في الإِسلام.
فبعد أن تلقى (هرقل) من روما ما يؤكد اعتقاده بأن محمد بن عبد الله هو النبي الذي ينتظرونه صار أكثر تصميمًا على دعوة شعبه إلى الدخول في الإِسلام، فدعا (وهو في القدس) أهل الحل والعقد من بطارقة الروم إلى اجتماع عام في قصره ليشرح لهم الموقف على حقيقته. وينصحهم بأن خير وسيلة لتجنب الويلات والمصائب التي ستتعرض لها مملكته هو اتباع النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -.
[الاجتماع التاريخي في حراسة مشددة]
غير أن الإِمبراطور (وكان مع علمه الواسع شديد الذكاء والحذر) قد اتخذ احتياطات مشددة لمواجهة أيِّ رد فعل عنيف من أركان دولته عندما يجتمع بهم ويفاتحهم في موضوع الدعوة إلى اعتناق الإِسلام.
فقد أوعز إلى قادة حرسه الخاص بأن يقفلوا كل الأبواب ويقفوا عليها بالسلاح، بعد أن يكتمل اجتماعه بالبطارقة وبقية أركان دولته. وأن يمنعوهم من الخروج من قاعة الإجماع. إذا ما لاحظوا عليهم بادرة تذمُّر أو تمرد.
ثم تحسبا لكل طارئ اتخذ الإِمبراطور لنفسه مقصورة تقع في أعلى: تشرف على قاعة الاجتماع. وأحاط مقصورته هذه بحراسة مشددة من قواته الخاصة.
البطارقة وأركان الدولة يرفضون دعوة الإِمبراطور ويحاولون التمرد
وبعد أن اكتمل الاجتماع في القصر الملكى بالقدس. أطل الإِمبراطور من مقصورته على المجتمعين، ثم خاطبهم في هدوء يدعوهم إلى الدخول في الإِسلام قائلًا:"يا معشر الروم إني قد جمعتكم لخير، إنه أتانى كتاب هذا الرجل يدعونى إلى دينه، وإنه والله للنبي الذي كنا ننتظره ونجده في كتبنا، فهلموا فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا (١) ".
(١) تاريخ الطبري ج ٢ ص ٦٥٠ والبداية والنهاية ج ٤ ص ٢٦٦.