فهي ليست غارة خاطفة يمكن القيام بها عبر مسافة قصيرة وبقوات خفيفة، كما أنه لم يعد مجال للتورية في التحرك حيث لم تغد "في جزيرة العرب" قوة معادية لها خطرها تستدعى هذا الحشد العظيم يروى الرومان والخليط من العرب والنصارى الموالين لهم في منطقة الحدود في تبوك ودومة الجندل والعقبة وإيلة (إيلات) وما جاورها.
فهو إذن غزو شامل وبقوة ضاربة، ستقطع مسافة طويلة جدًّا، وقد يتطلب الأمر أن تجتاز هذه القوة الضاربة حدود الجزيرة إلى الشام للقتال هناك.
ثم إن للرومان في المدينة طابورا خامسًا من المنافقين، سيطيرون لهم -ولا شك- خبر هذا الحشد الضخم، والذي -حتى وإن التزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - سياسة التكتم بشأن وجهة هذا الحشد- فإن الرومان سيكون من المؤكد لديهم أنهم وحلفاؤهم من قضاعة وكلب وغسان، دون سواهم، المقصودون بهذا الحشد، لأنهم يعلمون أنه -بعد القضاء على العسكرية الهوازنية وقبلها القرشية والغطفانية وبعدها الطائية- لم تعد هناك في جزيرة العرب قوة عسكرية معادية للإسلام ذات خطر تستدعى مثل هذا الحشد العسكري الضخم الذي لم تشهد الجزيرة مثله في العهد النبوي.
لهذا لم يعد من المفيد أن يلتزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطة الكتمان بالنسبة لهذا التحرك، لأن الرومان بمجرد علمهم "من جواسيسهم" بهذا التحرك، سيجزمون بأنهم وحلفاءهم العرب في الشمال، المقصودون دون غيرهم بهذا التحرك، ثم لطول المسافة وبعد الشقة في هذه الغزوة -ولما سيلاقى فيها الجيش من متاعب نتيجة شدة الحر- لا بد من مصارحة المسلمين بالحقيقة، كى لا ينخرط في سلك الجيش إلا الذي لديه من الإِيمان الصادق ما يجعله يتقبل المشاق والصعاب في غزوة العسرة هذه بثقة وتصميم، ويجعله يوفر لنفسه من النفقة وبقية الوسائل ما يمكنه من التغلب على الصعاب الذي ستلاقيه ولا شك في هذه الغزوة الشاقة.
[الاستنفار العام بين المسلمين]
وتقديرًا لخطورة ما الرسول - صلى الله عليه وسلم - مقدم عليه من هذا الغزو الشاق