إلى درجة الإرهاق والإعياء، وإلى درجة أنهم لم يتركوا لهم فرصة يستريحون فيها أو حتى يؤدون فيها فريضة الصلاة، إذ أجبروهم على المرابطة (ليلا ونهارًا) على مشارف الخندق في حالة تعبئة لا يفارقهم السلاح.
فصار فرسان الأحزاب يطوفون (في استفزاز متزايد مرعدين ومبرقين) حول الخندق ويتجمعون بأعداد كبيرة حول المضائق طيلة ساعات الليل والنهار وبصورة مزعجة مخيفة لم يسبق لها مثيل مما أجبر المسلمين على البقاء في أسلحتهم مرابطين بصفة دائمة ليلًا ونهارًا على مشارف الخندق وخاصة النقط التي هي مظنة لأن يقتحمها سلاح فرسان الأحزاب، وضاعف المسلمون من نشاط دورياتهم التي أضناها (لقلة رجالها) الطواف المتواصل حول الخندق بصفة متعبة للغاية.
[شدة الحصار تمنع المسلمين من الصلاة]
وقد بلغت عملية الحراسة المتواصلة المضنية المرهقة التي يقوم بها النبي وصفوة أصحابة القلائل في تلك الليالى الأخيرة المخيفة المرعبة، بلغت بهم من جهد والإضناء والإشغال إلى درجة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعضًا من أصحابه (الذين كانوا يتولون مراقبة وتحركات العدو وحراسة النقاط الاستراتيجية من الخندق) لم يتمكنوا من أداء صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء في أوقاتها.
ولقد صور المقريزى في كتابه (إمتاع الأسماع) حالة الكرب المتزايد والشدة المتناهية التي كان عليها المسلمون في تلك الليالى الرهيبة الحاسمة فقال: