للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به من حلى. قال الواقدي: حتى إن كنّ النساء ليعنّ بكل ما قدرن عليه. قالت أم سنان الأسلمية (١): لقد رأيت ثوبًا مبسوطًا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت عائشة فيه مسك ومعاضد (٢) وخلاخل وأقرطة وخواتيم وخدمات، مما يبعث به النساء يعنّ به المسلمين في جهازهم والناس في عسرة شديدة (٣).

[عناصر التخريب تتحرك في المدينة]

لا شك أن الظرف الذي حشد فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - جيشه الضخم للتحرك نحو الشمال لإرهاب الروم، كان ظرفًا صعبًا بالنسبة للمسلمين الغزاة من جهات كثيرة، فقد كان الناس في عسرة شديدة، حتى أن الإِمام البخاري سمّى غزوة تبوك هذه: غزوة العسرة (٤).

وبالإضافة إلى الضائقة العامة والعسرة الشديدة التي عليها المسلمون، كان الوقت وقت حر شديد، وكانت ثمار النخل قد طابت، والنفوس بطبعها ميالة في ذلك الظرف إلى التمتع بالظلال في عروشهم بين النخيل، فالناس -كما قال أصحاب السير- يحبّون (في ذلك الظرف) المقام في ديارهم ويكرهون الشخوص عنها على الحال من الزمان، الذي هم عليه، والضائقة التي تأخذ بتلابيبهم.

ولكن الأغنياء وميسورى الحال من الصحابة قد خففوا بتبرعاتهم السخية العظيمة من هذه الضائقة المادية، ولكن شدة الحر اللاهب، والخروج من المدينة في وقت طابت فية الثمار حيث يودّ الكثير قطفها والتمتع بها في ظل النخيل والعروش، جعل الناس يودون لو أنهم لم يغادروا المدينة في ذلك الفصل، ولكنه أمر .. أمر عسكرى من الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - وأمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذا قضى به لا يجوز لمسلم أن يخالفه حتى وإن لم تكن نفسه ميّالة إليه.


(١) هي أم سنان الخ.
(٢) المسك (بفتح أوله وثانيه) أسورة من عاج أو ما شابهه، والمعاضد: الدماج، وهو ما توضعه النساء في عضدهن.
(٣) مغازى الواقدي ج ٣ ص ٩٩٢.
(٤) البخاري ج ٦ ص ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>