حدرد ممن شهد الحديبية، فقال: يا أبا الشحم، إنَّا نخرج إلى ريف الحجاز (يعني خيبر) في الطعام والأموال، فقال أبو الشحم (حسدًا وبغيًا):
تحسب أن قتال خيبر مثلما تلقونه من الأعراب، فيها (والتوراة) عشرة آلاف مقاتل، قال ابن أبي حدرد: أي عدو الله تخوفنا بعدونا وأنت في ذمتنا وجوارنا، والله لأرفعنك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت يا رسول الله ألا تسمع إلى ما يقول هذا اليهودى، وأخبرته بما قال أبو الشحم، فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يرجع إليه شيئًا، إلا أني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حرك شفتيه بشيء لم أسمعه، قال اليهودى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا أبا القاسم هذا قد ظلمني وحبسني بحقي وأخذ طعامي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أعطه حقه.
قال عبد الله: فخرجت فبعت أحد ثوبى بثلاثة دراهم وطلبت بقية حقه فقضيته، ولبست ثوبى الآخر وكانت عليّ عمامة فاستدفأت بها، وأعطانى سلمة بن أسلم ثوبًا آخر فخرجت في ثوبين مع المسلمين ونفلنى الله خيرًا وغنمت امرأة بينها وبين أبي الشحم اليهودى قرابة فبعتها منه بمال (١).
[وقفة للتدبر والإمعان]
إن الإنسان المتجرد المنصف (أيًا كان مذهبه أو دينه). لا يسعه إلا أن يقف أمام هذه الحادثة، وقفة تدبر وتبصر واعتبار ليرى مزيدًا من إشراقات العدل والحرية والديمقراطية الصحيحة (التي جاء بها وحافظ عليها الإسلام محافظة دقيقة فنعم في ظلها بالحرية الكاملة (دونما أية مضايقة أو إزعاج) حتى الذين لا يدينون بالإسلام، الأمر الذي لم يبلغ شأوه أي قانون في العالم حتى هذه الساعة.
فھهذا يهہودي (أبو الشحم) تحت حكم الإسلام وفي ظل سلطان دولته يبلغ به التمتع بالحرية الكاملة التي أعطاه إياها الإسلام إلى أن يعبر (وهو في دار الإسلام وتحت سلطانه وفي ظروف هي - بالنسبة للمسلمين - ظروف حربية استثنائية وطوارئ) أصرح تعبير عن عطفه بل وتأييده إلى حد
(١) انظر أوسع التفاصيل عن وجهة النظر الإسلامية في إباحة الرق الحربى في كتابنا (غزوة بني قريظة) ص ٢٨٣ تحت عنوان (الإسلام والرق).