والذي يتيسر له رؤية مكان المعركة والاطلاع على موقع جبل الرماة الذي لا يزال جاثمًا على ضفة وادي قناة، يدرك مدى الخبرة العسكرية العظيمة التي يمتاز بها النبي الأعظم في وضع خطط المعارك، والمهارة الواسعة في تنظيم القوي العسكرية واختيار المواقع التعبوية الممتازة لكسب المعركة.
وعندما توجهت فصيلة الرماة لاحتلال الجبل (بأمر القائد الرسول) أصدر إليهم الأوامر المشددة بألا يتركوا مواقعهم في الجبل (مهما كانت الظروف والتطورات) إلا بأمر منه - صلى الله عليه وسلم - , فقد قال لهم:
"احموا لنا ظهورنا لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل. فإن الخيل لا تقدم على النبل، إنا لا نزال غالبين ما ثبتُّم مكانكم".
وليتأكد الرماة من جسامة المسئولية الحربية الملقاة على عاتقهم، اختتم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمره العسكري المشدد هذا بقوله:"اللهم إني أشهدك عليهم".
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم (أيضًا) ومخاطبًا قائدها المسئول: "انضح الخيل عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا واثبت مكانك إن كانت لنا أو علينا".
كما أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم في أمر آخر (كما في بعض الروايات):
"إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم , حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا ظهرنا على القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا وإن رأيتمونا نقتتل فلا تغيثونا ولا تدفعوا عنا (١).
(١) انظر السيرة الحلبية ج ٧ ص ١٨، ودائرة معہارف وجدي ج ١ ص ٨٦.