الواحد بعد الآخر. وبأسلوب تمثلت فيه أرقى معاني البطولة واسترخاص الأرواح في سبيل الله.
لقد صمد المسلمون في معركة مؤتة صمودًا هو أروع ما يصنع الإيمان الصادق. وعلى المرء إذا أراد أن يتبين حقيقة هذا الصمود والفداء .. عليه أن يتصور ثلاثة آلاف مقاتل وهم يصارعون مائتى ألف مقاتل تتدفق كتائبهم الغائصة في الحديد كما تتدفق أمواج البحر الهادر، وليس هناك من يواجهها على مشارف قرية "مؤتة" سوى ثلاثة آلاف مقاتل. أكثرهم حاسر من الدروع.
[كانت النتيجة مضمونة وهي النصر للرومان ولكن]
لقد كانت نتيجة الصدام في (مؤتة) مضمونة للرومان وهي النصر الساحق بإبادة الجيش الإسلامي إبادة كاملة .. وذلك حسب المقاييس والمفاهيم العسكرية العادية.
فثلاثة آلاف مقاتل (مهما كان المستوى الذي هم عليه من الشجاعة وقوة البأس والصبر عند اللقاء) لا يمكنهم الصمود في وجه مائتى ألف مقاتل يفوقونهم (مع هذا العدد الغامر) في كثرة العتاد وجودة التسليح .. بل (حسب هذه المقاييس والمفاهيم) لا يمكنهم الإفلات من قبضة الجيش الروماني الذي لديه فقط من سلاح الفرسان حوالي خمسين ألف فارس.
ولكن الإيمان وصحة العقيدة والاستبسال في سبيل الله يعكس المفاهيم ويقلب المقاييس التقليدية للحروب .. فهو يثبت كل مرة أن كثرة العدد ووفرة السلاح- وحتى الإلمام الكامل بالعلوم العسكرية .. التكنولوجيا. (حجة المهزومين أمام شراذم اليهود في حزيران الأسود) ليس هو الذي يكفل النصر المؤزر الساحق .. وأن عدم توفر كل ذلك للمقاتلين ليس هو (دائما) الذي يصنع الهزائم. وإنما الذي يصنع النصر ويحققه. أو يصنع الصمود الذي يحول دون الهزائم الماحقة (ساعة التفاوت الهائل في كل