بموازين ومقاييس مادية صرفة من حيث العدد والعدة ولو فعلوا ذلك لأدخل في روعهم أنهم الهالكون. . لأن قدرة ألف وأربعمائة على مواجهة خمس عشر ألفًا هي (في عرف المقاييس والتقديرات العسكرية المجردة) كقدرة العصا على مواجهة السيف.
ولكن الثقة بالله والاطمئنان إلى وعده بالنصر وزخم العقيدة الصافية الذي يدفعهم إلى الإمام. . كل ذلك كان قاعدتهم التي فها ينطلقون وعلى ضوئها الأمور يزنون.
وباختصار، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عندما استمروا في زحفهم على خيبر ليواجهوا خمسة عشر ألف مقاتل وهم (فقط) ألف وأربعمائة. . عندما فعلوا ذلك، لم يقيسوا الأمور حسب موازين الأرض وإنما قاسوها حسب موازين السماء واعتمادًا على صلتهم برب الأرض والسماء الذي لم يكن تحركهم من المدينة إلا في سبيل مرضاته ولإعلاء كلمته.
ولهذا فقد كانت نفس كل واحد منهم مشحونة بطاقات روحية هائلة تجعله في قرارة نفسه موقنًا بأنه قادر على أن يواجه بمفرده مائة من أعدائه ويتغلب عليهم.
وهذا هو سر صمودهم وثباتهم وعدم اكتراثهم بتلك القوات الضاربة من الأعراب واليهود التي أجمعت على حربهم وهم بعيدون عن أرضهم.
[الانتصار بالرعب]
وعلى كل حال، وبالرغم من أن كل شيء (حسب المقاييس المادية المجردة) هو ضد المسلمين وإلى جانب اليهود وحلفائهم في هذه الحرب التي قرر النبي - صلى الله عليه وسلم - خوضها لإنهاء الوجود اليهودى الزنيم، فقد مضى المسلمون لسبيلهم وساروا نحو خيبر على تعبئتهم وحسب الخطة التي رسموها لخوض المعركة، غير مبالين بتلك القوات الضاربة من اليهود والأعراب.
[بشائر النصر قبل الاشتباك]
وقبل أن يحدث أي اشتباك مسلَّح بين المسلمين وأعدائهم بدت بشائر