الإِسلامية في المدينة إلى أن تقوم بهذا التحرك العسكري الضخم السريع رغم المتاعب التي سيلاقيها الجيش نتيجة شدة الحر وضيق ذات يد الكثير ممن اشتركوا في غزوة العسرة هذه.
[أغنياء الصحابة يتبرعون للجيش]
ولما كانت سنة غزوة تبوك سنة قحط وعسرة بين عامة المسلمين، فقد حث الرسول - صلى الله عليه وسلم - أغنياء الصحابة على التصدق -وهو ما يسمى بلغة العصر بالتبرع- لتجهيز ذلك الجيش الضخم وإكمال تموينه، لأن بيت مال المسلمين بالمدينة ليس فيه ما يكفي لتموين وتجهيز هذا الجيش اللجب.
لم يكن هناك في العصر النبوي نظام عسكرى إدارى تدفع بموجبه رواتب للمحاربين يتقاضونها مقابل اشتراكهم في القتال لتدعيم سلطان الإسلام، بل يكون القتال هذا بدافع من منطلق وجدانى أساسه الإيمان بأن هذا القتال هو الجهاد الذي أعد الله للقائمين به أعلى الدرجات في الدار الآخرة، وخاصة الذين يلقون حتفهم وهم يباشرون هذا الجهاد، والذين أكد القرآن أنهم يفضلون جميع أموات المسلمين، بأنهم يصيرون بعد موتهم أحياء. تتمتع أرواحهم بأعلى درجات النعيم عند الله {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وانطلاقًا من هذه العقيدة (عقيدة الجهاد لإعلاء كلمة الله) يقوم القادرون منهم بواجب تجهيز أنفسهم بما يلزمهم من سلاح وإعاشة ووسائل نقل إلى ميادين القتال، فلا يطلبون من الدولة شيئًا من هذه المستلزمات للجهاد وإنما يطلب هذه المستلزمات من المجاهدين، من الدولة غير القادرين من المعوزين، فهؤلاء تبذل الدولة جهدها لتوفير ما يحتاجونه من سلاح وإعاشة ووسائل نقل.
وهؤلاء كانوا كثيرين عندما أعلن الاستنفار العام كى يتحرك الرسول بالجيش نحو الشمال لمواجهة الروم، ولما كان بيت المال، ليس فيه ما يوفر