لقد جرت هذه المجادلة بين الفاروق عمر والعباس بن عبد المطلب أمام الرسول - صلى الله عليه وسلم - فلم ينح باللائمة على أحد منهما لعلمه ينبل قصد كل منهما فيما أتى من تصرف.
فالعباس حين حرص على سلامة ابن عمه أبي سفيان بن حرب إنما ينطلق من هدف نبيل، وهو أن تكون نجاته من القتل سببًا في إسلامه. وبالتالى سببًا في استمالة قومه قريش كلها للإِسلام. وهو أمر يجعل مكة في مأمن من ويلات الحرب ومعرتها، حيث سيصبح بعد إسلام أبي سفيان "وهو سيد قريش ومفوضها المطلق" أي عنصر فيها غير قادر على إبداء أية مقاومة فعالة ضد الجيش النبوى عندما يدخلها وهو ما حدث بالفعل، عندما نجح العباس في الحصول على الأمان لأبي سفيان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعندما نجح بالتالى في إقناع أبي سفيان نفسه باعتناق الإِسلام قبل أن يعود إلى مكة.
والفاروق عمر من ناحية أخرى، حين حاول الحصول على إذن من القائد الأعلى النبي بضرب عنق أبي سفيان، كان يهدف "مجتهدًا مخلصًا" إلى تحطيم رأس كان حتى ذلك الوقت من أعظم رؤوس الكفر التي ائتمرت بقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخرجته من وطنه مكرها. بعد أن أباحت دمه وجعلت الجائزة الضخمة لمن يأتي به حيا أو ميتا، وعذَّبت وقتلت الكثير ممن آمن به وثبت على دينه، كما أن ابن الخطاب كان سعيه لقتل أبي سفيان ذا أبعاد سياسية. وهو بث الرعب والفزع في نفوس أساطين الكفر الباقين في مكة بحيث يتحطم بقتل سيدهم أبي سفيان كل ما بقى لديهم من معنويات حربية، فتنهار نوازع مقاومة الجيش النبوى في نفوس الأشرار المتطرفين من أهل مكة، فيسهل على الجيش النبوى دخولها دون إراقة قطرة دم واحدة.
[كيف حصل أبو سفيان على الأمان من الرسول]
غير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع تقديره لمشاعر الفاروق عمر بن الخطاب وتأكده من صدق نواياه الدافعة للحرص على السماح له بإعدام سيد قريش