للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتجويع ووحشية التعذيب في سجون المشركين بمكة إلا أوسمة - إن صح هذا التعبير - جعلتهم حديث الدنيا وملءَ سمعها وبصرها، يلهج التاريخ بذكراهم العطرة في التضحية والفداء في سبيل العقيدة أَبد - الآبدين.

فكأَنّ لسان حال النبي الأعظم - وهو يعيد أَبا جندل إلى أبيه المشرك وفاءً بالعهد - يقول: فليثبت إذن أَبو جندل وإخوة أَبي جندل وليحتسبوا ما ينالهم في سجون مكة من بلاء وتنكيل في سبيل الاحتفاظ بعقيدهم، فالله منجّيهم وجاعل لهم من محنتهم مخرجًا.

أَليس الله سبحانه هو القائل في حق المؤمنين الصادقين المتقين: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ} (١)؟ .

ولقد صدق الله وعده فقد جعل لأَبي جندل وإخوته من المسلمين المستضعفين في سجون أهاليهم بمكة مخرجًا، فلم تمرّ أقلّ من سنة حتى تمكنوا من الإفلات من سجون مكة وأَصبحوا قوة صار كفار مكة يخشونها بعد أن سيطرت على طرق قوافل المشركين الآتية من الشام، كما سيأْتي تفصيله فيما يلي من هذا الفصل إن شاء الله.

[مكاسب الصلح العظيمة]

بالرغم من تضايق عامة المسلمين لما تحمله (في الظاهر) شروط صالح الحديبية التي قبلها النبي - صلى الله عليه وسلم - واغتمّ لها عامة المسلمين، فإن هذا الصلح نتج عنه مكاسب عظيمة للمسلمين بل نصر كبير لدعوة الإسلام ظهرت جلية واضحة فيما بعد للذين تضايقوا من شروط هذا الصلح.


(١) سورة الطلاق الآية ٢ - ٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>