وقد تساءَل البعض في حينه - عن حسن نية - أين هي المكاسب الملموسة التي حققها صلح الحديبية بشروطه القاسية على المسلمين وقد أقرَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صد المسلمين عن الحرم فحلّوا إحرامهم خارجه، وعادوا من حيث أَتوا دون أن يطوفوا بالبيت، وهو الهدن الرئيسي الذي لم - يخرجوا من المدينة بقضهم وقضيضهم إلا من أَجل تحقيقه؟ ؟ .
والجواب على هذا التساؤل، هو أن النبي الأَعظم - صلى الله عليه وسلم - لم يقرّ في هذا الصلح ويوافق سهيل بن عمرو على صد المسلمين عن الحرم ومنعهم من الطواف أَبد الآبدين.
وإنما وافق فقط، على أن يؤجل المسلمون دخولهم الحرم معتمرين من عامهم ذاك إلى العام الذي يليه مباشرة. وهو ما أَشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يحاول إقناع المعارضين للصلح من أصحابه.
وهذا يدلّ على (دبلوماسية) رفيعة وسياسة عسكرية غاية في الحصافة إن صح هذا التعبير - (دبلوماسية) حقق باتباعها النبي - صلى الله عليه وسلم - حقن دماء كثيرة لم تكن له أَية رغبة في إراقتها بل يكره كل الكره أن تراق داخل الحرم. . وكان يمكن أَن تراق بسهولة وبغزارة، أولًا أَن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كما القادة المتجبِّرون القادرون على تحقيق أهدافهم بحدّ السيف .. وقد كان قادرًا على اقتحام مكة بحد السيف.
ولكنه - وهو الذي أَرسله الله رحمة للعالمين - فضَّل أَن يحلّ محل هذا الاقتحام الدامي، عودة سليمة للمسلمين لزيارة البيت بعد عام واحد فقط. . فقبل (لذلك) الشرط الذي أملاه المندوب القرشي والذي يقضي بأَن يرجع المسلمون هذا العام دون أن يدخلوا مكة، على أن يكون من حقهم دخولها في العام القادم.