وعندما ظهر تحرش بنى قينقاع بالمسلمين، واتضح عزمهم على الوقوف في وجه الدعوة الإسلامية، ولو عن طريق الحرب وسفك الدم .. ولما بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من عهد وتحالف .. وبالتالى لكره النبي - صلى الله عليه وسلم - وبغضه الحرب وسفك الدم، لجأ (أولًا) - لإعادة هؤلاء اليهود إلى جادة الصواب - إلى النصح والمفاوضة، فطلب الاجتماع بيهود بنى قينقاع هؤلاء فاجتمعوا إليه في مؤتمر عقده معهم في سوقهم، محاولا إصلاحهم وإرجاعهم عن غيهم وثنيهم عن الإندفاع في الطريق الخطر طريق الحرب الذي لم يعد خافيًا على أحد أنهم يهدون بسلوكه.
ولا شك أن النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - وهو الحريص على الأمن والاستقرار والحريص على حقن الدماء أيا كان نوعها - لم يدع بنى قينقاع إلى ذلك الإجتماع والتحدث إليهم من بلى جميع القبائل اليهودية في يثرب إلا بعد أن تأكد لديه أنهم يقومون بنشاط فيه إخلال بالأمن ونقض للمعاهدة المعقودة بينهم وبين المسلمين وتهديد بالحرب.
ولقد حاول النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا المؤتمر إرجاع بنى قينقاع إلى جادة الصواب والتزام نصوص المعاهدة المبرمة بين المسلمين وبين كافة اليهود، فنصحهم وذكرهم وحذرهم نتائج البغي والتحرش والعدوان إن هم سلكوا طريقه، ولم يفته أن يذكرهم بالثمار المرة التي جنتها قريش يوم بدر، نتيجة اندفاعها في طريق الغرور والبغى والعدوان، حيث قال لهم - فيما قال -: يا معشر يهود، احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة"