للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حبست أبا سفيان قال: غدرًا بني هاشم؟

فقال العباس: إن أهل النبوة لا يغدرون، ولكن لي إليك حاجة. فقال أبو سفيان: فهلا بدأت بها أولًا. فقلت إن لي إليك حاجة فكان أفرخ لروعى؟ فقال العباس: لم أكن أراك تذهب هذا المذهب (١) "أي أن يبلغ بك الخوف والريبة هذا المبلغ".

[تأثير الاستعراض العسكري في نفس أبي سفيان]

وعقب وقوف العباس بأبي سفيان عند مضيق الوادي، أمر الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم - كل فرق الجيش وكتائبه أن يمروا جميعهم أمام زعيم قريش أبي سفيان. فأقيم العرض العسكري في الوادي على أروع صورة دهش لها أبو سفيان الذي ما كاد يصدق ما يرى.

فقد مرت الألوية والكتائب النبوية في الوادي في تعبئة دقيقة، وفي حالة انضباط أدق، ما كان يعرفه العرب في تاريخهم العسكري عبر العصور.

وقد أخذت الدهشة من نفس أبي سفيان كل مأخذ وأشد شيء دهش له، هذا التبدل الكامل الشامل الذي غير مجرى حياة المسلمين تغييرًا جزريًا. حيث زال منهم كل قبيح وحل محله كل حسن، بسبب انسلاخهم عن الشرك، واعتقادهم عقيدة التوحيد التي كان اعتناقها مصدر كل هذه التحولات والتغيرات الجذرية في كيان هؤلاء الأعراب، الذين كانوا ضِعافًا فقوَّاهم الله، وكانوا أذلاء فبالإِسلام أعزهم الله. وكانوا متفرقين متخاصمين، فجمعهم الله في إطار الموحدة الإِسلامية التي ظهروا في إطارها بهذا المظهر الرائع الذي له انعقد لسان سيد قريش وزعيمها أبي سفيان بن حرب الذي عبَّر عن دهشته وتعجبه لما رأى بقوله: "ما رأيت يا أبا الفضل مُلكًا كهذا قط، لا مُلك كسرى ولا مُلك بني الأصفر (٢)، لقد أصبح مُلك ابن أخيك الغداة عظيمًا" (٣).


(١) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨١٩.
(٢) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨١٥.
(٣) مغازي الواقدي ج ٢ ص ٨٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>