وبعد أَن اطمأَن سفير الإِسلام الأَول (مصعب) إِلى نجاح الدعوة وشاهد مغتبطًا، سرعة انتشار دين الله بين تلك القبائل القحطانية العظيمة التي صارت فيما بعد أَعظم قوة حربية اعتمد عليها الإِسلام في عهده الأَول، وبعد أَن قضى هذا السفير النبوى بين أَهل يثرب تسعة أَشهر، عاد إِلى مكة يحمل إِلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشائر الفوز، وقدم له تقريرًا ضافيًا عن النجاح الباهر المطَّرد الذي تلاقيه دعوة الإِسلام بين قبائل الأَوس والخزرج، وقص على النبي - صلى الله عليه وسلم - خبر هذه القبائل، وما هي عليه من منعة وقوة .. فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا النصر العظيم الذي سجلته دعوة الإِسلام في يثرب على يد ذلك السفير الشاب التقى الصالح مصعب بن عمير.
[معاهدة العقبة الثانية]
وفي العام التالي للبيعة الأُولى (أَى سنة اثنين قبل الهجرة النبوية) حضر لأَداء مناسك الحج من أَهل يثرب ثلاثة وسبعون رجلًا وامرأَتان ممن أسلموا. وقد جاءُوا ضمن حجاج قومهم من أهل الشرك.
وبمجرد وصولهم إِلى مكة، جرت الاتصالات (سرًّا) بينهم وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - وانتهت هذه الاتصالات بالاتفاق على أَن يجتمع الفريقان في اليوم الثاني من أَيام التشريق، على أَن يتم هذا الاجتماع في سرية تامة وفي ظلام الليل، وقد حددوا مكانًا لهذا الاجتماع .. الشِّعب من منى عند العقبة حيث الجمرة الأُولى، أَو الشيطان الكبير (كما يسميه العامة اليوم).
وفي الميعاد المحدد من تلك الليلة، حضر النبي - صلى الله عليه وسلم - إِلى الشعب عند العقبة وأَخذ الأَنصار يتوافدون على النبي، واحدًا بعد واحد (في