فبعد رحلة مضنية محاطة بالأَخطار استغرقت أكثر من أَحد عشر يومًا، تشرّفت يثرب بطلعته الشريفة وعم المسلمين في المدينة الفرح والسرور بقدوم الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
وكان أَهل المدينة قد ترامى إليهم خبر هجرته مع صاحبه الصديق إلى يثرب، قبل أن يصلا إليها، ولذلك كان المسلمون فيها و (خاصة: الذين لم يسبق لهم رؤية طلعتة الكريمة) يتلهفون شوقًا لرؤيته - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا فقد كانوا (منذ ترامى إليهم نبأ هجرته) يخرجون كل يوم بعد صلاة الصبح إلى ظاهر المدينة يتلمسون النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى تغلبهم الشمس فيعودوا إلى بيوتهم.
وبينما هم على هذه الحال من التلهف والشوق، إِذ صاح يهودي (وكان أَول من رأَى النبي وصاحبه قادمين) صاح منبها الأنصار إِلى قدوم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: يا بني قيلة (يعني الأَنصار) هذا صاحبكم قد جاءَ (١).
[اليوم التاريخي في المدينة]
وهنا زحفت المدينة كلها لاستقبال رسول الإنسانية ومنقذ البشرية محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يومًا تاريخيًا أغرًّا لم تشهد المدينة مثله في تاريخها.
وكانت قباء (وهي من ضواحي المدينة) أَول منزل نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي منازل بني عمرو بن عوف من الأَنصار، وقد مكث النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم أربعة أيام، دخل بعدها إلى قلب المدينة المنورة.
[أول مسجد في المدينة]
وفي تلك الأيام القلائل إلى أقامها النبي في قباء، أسس - صلى الله عليه وسلم -،
(١) سيرة ابن هشام ج ١ ص ٤٩٢، وفيها جدكم بدل صاحبكم.