للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوبًا على أصحابه، فلما رآهم المغيرة ترك الركاب وضبر (١) يشتد ليبشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقدومهم، حتى انتهى إلى باب المسجد، فلقى أبا بكر الصديق فأخبره خبر قومه، فقال المغيرة: أقسمت عليك بالله لا تسبقنى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخبرهم حتى أكون أنا أخبره -وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرهم ببعض الذكر- فأبشّره بمقدمهم، فدخل أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره والمغيرة على الباب، ثم خرج أبو بكر إلى المغيرة فدخل المغيرة على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو مسرور (٢).

أما المغيرة بن شعبة، فقد غمره الفرح والسرور مجئ قومه للاهتداء بهدى الإِسلام، فعاد إليهم حيث خيموا بوادى قناة فرحب بهم وأعانهم في ترويح إبلهم وأخذ في تهذيبهم والترويض من طباعهم النافرة الجافة الشرسة، حيث كانوا أعرابًا أجلافًا لا يعرفون من تعاليم الإسلام وآدابه شيئًا، فعلَّمهم كيف يحيون الرسول - صلى الله عليه وسلم -.

[الشروط السخيفة التي اشترطتها ثقيف لإسلامها]

غير أن جذور الجاهلية المتأصلة في نفوس الوفد الثقفى جعلت رجال هذا الوفد -وهم يفاوضون النبي - صلى الله عليه وسلم - يشترطون لدخولهم في الإسلام شروطًا تناقض أصول هذا الدين، وقد رفض الرسول - صلى الله عليه وسلم - هذه الشروط، إلا أنه بحكمته وحلمه وأناته وصبره، تغلِّب على كل الصعاب في المفاوضات التي استغرقت وقتًا غير قصير بينه وبين وفد ثقيف، حتى دخلوا في الإسلام وتخلوا عن تلك الشروط السخيفة.

ظلت رواسب الجاهلية (رغم توجيه المغيرة بن شعبة) ذات تأثير على عقول رجال وفد ثقيف فبدلًا من أن يحيّوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتحية الإسلام التي علمهم إياها المغيرة بن شعبة، حيوه بتحية الجاهلية وهي (عم صباحًا)، كما أن وفد ثقيف في المرحلة الأولى من المفاوضة، لم يتصل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة كما كانت تفعل الوفود الوافدة إلى المدينة لإعلان إسلام عشائرهم، بل لجأ الوفد


(١) ضبر: أي وثب.
(٢) سيرة ابن هشام ج ٤ ص ١٨٤ وتاريخ الطبري ج ٣ ص ٩٨ ومغازي الواقدي ج ٣ ص ٩٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>