فحملوا على رجال خزاعة في (الوتير)(١) وهم يغطون في نومهم آمنين فأحدثوا فيهم مقتلة كبيرة. لأنهم عُزّل من السلاح وأخذوا على حين غرة. ولم يكتف بنو بكر ومن شاركهم من القرشيين بقتل من قتلوا من الخزاعيين وهم نيام. بل أخذوا يطاردون من تمكن من الإفلات. وصاروا يقتلونهم حتى بعد أن دخلوا الحرم الذي كان العرب جميعًا يحرّمون على أنفسهم فيه القتال مهما كانت الظروف والدوافع والمبررات.
وقد أقدم بنو بكر وقريش على هذا العمل الفظيع ولم يفكروا فيما سيسجله عليهم جميعًا من ويلات إلا بعد فوات الأوان حيث كانت النتيجة الحتمية لهذا الغدر. هو أن تحرك النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة بعشرة آلاف مقاتل دخل بهم مكة فاتحًا هادمًا سلطان قريش الوثني انتصارًا لحلفائه من خزاعة المغدور بهم في الحرم وفي ظل صلح كان قائمًا بين الفريقين.
[المشتركون من سادات مكة في نقض العهد]
ومن الزعماء القرشيين الذين شايعوا بنى بكر بن كنانة في نقض عهد الحديبية وشاركوا بسلاحهم وأنفسهم في جريمة الغدر بخزاعة في الوتير، صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو العامري (الذي أمضى صلح الحديبية نيابة عن قريش) وعكرمة بن أبي جهل ومكرز بن حفص وحويطب بن عبد العزى العامريين (وهما أيضًا عضوان في وفد المفاوضة القرشي في الحديبية ومن الذين وقعوا على الصلح نيابة عن قريش) ويؤكد المؤرخون أن ما حدث من غدر بخزاعة حدث بموافقة جميع سادات قريش. ما عدا أبي سفيان بن حرب سيد بني عبد شمس والقائد العام للقوات القرشية. لم يستشر في الأمر وقيل إنهم أفضوا إليه بنواياهم وطلبوا مشاركته في الغدر فأبى عليهم وحذّرهم العاقبة ولكنهم مضوا لجريمتهم فارتكبوها فجُّروا على قريش من الحرب ما أطاح بسلطانها إلى الأبد.
(١) الوتير (بفتح الواو وكسر التاء) قال في مراصد الاطلاع. ماء لخزاعة بأسفل مكة. وربما قاله بعض المحدّثين: (الوتين).