فإن فئة أُخرى وكلها من اليهود ظلوا على دينهم أحرارًا، لم يكرههم الرسول على الدخول في الإسلام، كما هي شرعة الإسلام {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.
[المعاهدة بين النبي واليهود]
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما وصل إلى المدينة مهاجرًا، وجد بها يهودًا قد اتخذوا منها وطنًا، فعقد معهم كما قلنا معاهدة، كان من أَهم بنودها أن يمتنع كل من الفريقين عن إيصال أَي أَذى للفريق الآخر وأن لا يعين أحد منهما عدوا على الفريق الآخر.
لم يحدّث المسلمون أنفسهم بنقض عهود اليهود ولا فكروا في طردهم من أرض الجزيرة (بالرغم من أن المسلمين أصبحوا سادة الموقف بعد المعركة) بل على العكس توقع المسلمون منهم أن يكونوا عونًا لهم في حرب الوثنية المخرّفة ودعم عقيدة التوحيد، ورجا المسلمون أن يصدق اليهود محمدًا فيما يثبته الله من تنزيه ومجد، وأن تكون صلتهم بالكتب القديمة والفتهم لأَحاديث المرسلين سببًا في إقناع العرب الأُميين بأَن الرسالات حق والإيمان بها واجب، وهذه المشاعر الحسنة تتمشى مع القرآن النازل يومئذ يؤسسها ويؤكدها قول القرآن {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا، قُلْ. . كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَينِي وَبَينَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}(١).