للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن من بوازن بين ماضي أصحاب محمد يوم أن كانوا مشركين وبين حاضرهم بعد أن أصبحوا مسلمين. لا يكاد يصدق أنهم، هم الذين كانت تحكمهم العداوات والبغضاء والمشاحنات. تصدر تفكيراتهم عن جاهلية وحشية رعناء .. "ديننا أن يقتل بعضنا بعضًا وأن يبغى بعضنا على بعض. وإن كان أحدنا ليدفن ابنته وهي حية كراهة أن تأكل من طعامه .. من كلام المغيرة بن شعبة لقائد الفرس رستم (١) ".

[اندهاش القرشيين]

وعلى تلك الهيئة من السكينة والوقار والضبط والانتظام. واصل الموكب النبوى تحركه من الحجون منحدرًا نحو المسجد لأداء مناسك العمرة والإِقامة في مكة الحبيبة إلى قلوب المسلمين ثلاثة أيام كما تنص على ذلك بنود صلح الحديبية التاريخي.

وبينما كان سادات مكة على تلك الدهشة التي انعقدت لها ألسنتهم لا رأوا من انقلاب عظيم في سلوك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - تحول كامل. من أقصى الانحراف والانحطاط. إلى أعلى درجات السمو والاستقامة وحسن السلوك. وبينما سادات قريش مندهشون هكذا يكادون يتهمون أبصارهم فيما تراه من حال المسلمين إذ بجبال مكة تهتز -وكأنها تشارك المسلمين فرحتهم بدخول مكة على ذلك النحو من العزة والأمن والاطمئنان- فما كادت أعين المسلمين تقع على بيت الله المعظم الذي حرموا النظر إليه ست سنوات كاملة- حتى دوت أصواتهم (لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك).

فكادت عقول أساطين الشرك تزيغ لمنظر المسلمين الرائع ذاك، حتى لقد خيل لسادات مكة لشدة الاندهاش أن الجبال التي لجأوا إليها- لئلا يروا محمدًا وأصحابه- تلبى مع المسلمين.

وواصل الموكب النبوى تحركه نحو المسجد وسادات مكة ينظرون من مخابئهم في جبال مكة (المطلة على المسجد) بعيون تكاد تقفز من محاجرها


(١) البداية والنهاية لابن كثير ج ٧ ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>