بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم. قال عدى: فأسلمت.
وهكذا قضت دورية علي بن أبي طالب على آخر مظهر من مظاهر الوثنية في الشمال الشرقي لجزيرة العرب، وقضى على العسكرية الوثنية الطائية، وهكذا أسلم عديّ بن حاتم الطاق فصار - فيما بعد من خيرة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - فأعز الله به الإِسلام في مواقف عصيبة، ولعل أروع موقف وقفه عديّ بن حاتم، حين كان أكبر عون للقائد خالد بن الوليد في إخماد فتن الأعراب المرتدين في مناطق طيئ وأسد وغطفان، حيث ثبت على إسلامه، ثم أقنع أكثر من ثلاثة آلاف فارس من قومه طيئ بالعودة إلى الإِسلام وكانوا قد خرجوا منه مرتدين مساندين لطليحة بن خويلد الأسدي، فحوّل عديّ بن حاتم بحكمته ونفوذه هذه الآلاف من الفرسان إلى صفوف قوات الإِسلام التي كان يقودها خالد بن الوليد، فكان لهذه الآلاف في طيئ أكبر الأثر في إنزال الهزيمة بطليحة بن خويلد الأسدي ونائبه عيينة بن حصن الفزاري في معركة بزاخة الطاحنة الشهيرة.
[إسلام كعب بن زهير الشاعر: سنة تسع هـ]
وهكذا أخذت جيوب المقاومة الوثنية المبعثرة في أقاليم الجزيرة العربية تتهاوى الواحد بعد الآخر، وقد هوى وتحطم ما يمكن اعتباره من الناحية العسكرية أقوى جيب من هذه الجيوب، وهم طيئ، فقبيلة طيئ التي بآلافها المؤلفة من الفرسان، لم تستطع أن تقاوم دورية قتال صغيرة للمسلمين مكونة من مائة وخمسين ليس معهم سوى خمسين فرسًا.
لقد أثبت سير الأحداث في جزيرة العرب أنه - منذ أوائل - السنة التاسعة للهجرة - قد أصبحت الكلمة النافذة والسلطان المطلق في طول الجزيرة وعرضها للإِسلام، بالرغم من توقف بعض القبائل عن إعلان دخولهم في الإِسلام، فهذا البعض من القبائل، هم إما ضعفاء لا يقوون على مجرد التفكر في محاربة المسلمين، وأما أقوياء بعض الشيء ولكنهم بعيدون جدًّا عن حاضرة الإِسلام المدينة، مثل بعض قبائل قضاعة وبلى وعذرة وكلب وبلقين الذين يسكنون أقصى الشمال على حدود الشام، وهؤلاء جرد عليهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو بتبوك غازيًا - حملات عسكرية