للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خضد بها شوكتهم وطهر بها جميع جيوب مقاومتهم المتبقية هناك، أو مثل بعض القبائل القحطانية في الجنوب، مثل بلحارث في نجران وهمدان وحمير في اليمن وكندة في حضرمرت، وهؤلاء جرد الرسول - صلى الله عليه وسلم - على بعضهم حملات عسكرية انتهت بدخولهم في الإِسلام والبعض الآخر جاء إلى المدينة طائعًا مختارًا وأعلن إسلامه ضمن الوفود التي وفدت على المدينة للدخول في الإِسلام عقب عودة الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تبوك ظافرًا منتصرًا.

ومما يدل على أن كلمة الإِسلام أصبحت - بعد فتح مكة وانتصار المسلمين في حنين - هي النافذة في جزيرة العرب، وأن من بقى على الوثنية من شراذم هنا وهناك، إما صاروا في ضيق لا ينجيهم إلا دخولهم في دين الحق، قصة كعب بن زهير (١) الشاعر المشهور والذي كان من ألد أعداء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن أهم ألسنة الإعلام الجارحة التي كانت تؤذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالشعر (والشعر له تأثيره بين العرب) وتدعو إلى التأليب عليه ومقاومة دعوته بكل الوسائل.

فعندما انتصر المسلمون ذلك الانتصار العظيم بفتح مكة، وتم لهم في حنين تحطيم العسكرية الهوازنية، ولم تبق قوة حربية في جزيرة العرب يمكنها الوقوف على قدميها في وجه قوات محمد - صلى الله عليه وسلم - خاف كعب بن زهير على نفسه خوفًا شديدًا، حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت، ولم ينجه إلا أن


(١) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني الشاعر ابن الشاعر. بداية قصته أنه كان وأخوه بجيراتيا بغنم المدينة. فقال له أخوه بجير: أثبت أنت في غنمنا في هذا المكان حتى ألقى هذا الرجل (يعني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأسمع ما يقول: فثبت كعب عند الغنم، وخرج بجير فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعرض عيه الإِسلام فأسلم، فبلغ ذلك كعبًا فغضب وقال شعرًا يندد ببجير وإسلامه وهذا الشعر مثبت في قصة كعب في هذا الكتاب .. ومما يستجاد من شعر كعب بن زهير قوله:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعى الفتى وهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى الأمور يدركها ... والنفس واحدة والهم منتشر
والمرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهى الأثر
ومن جيد شعره أيضًا:
مقالة السوء إلى أهلها ... أسرع عن منحدر سائل
ومن دعا الناس إلى ذمة ... ذموه بالحق وبالباطل

<<  <  ج: ص:  >  >>