يطير بنفسه إلى المدينة، ويقف فجأة أمام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معلنًا إسلامه طالبًا الصفح والعفو، وذلك بتوجيه من أخيه بجير، وقد قبل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إسلامه وعفى عنه.
فقد روى ابن هشام عن ابن إسحاق في سيرته، أن بجير بن زهير أخا كعب (وكان قد أسلم قديمًا) كتب إلى أخيه كعب قائلا له: إن من بقى من شعراء قريش ابن الزبعرى، وهبيرة بن وهب، وقد هربوا في كل وجه، فإن كانت لك حاجة في نفسك فطر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يقتل أحدًا جاءه تائبًا، وكان كعب قد لام أخاه صبيرًا لما أسلم في شعر بعث به إله وهجا فيه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وهو:
ألا أبلغا عنى بجيرًا رسالة ... فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل ... على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم تلق أمًّا ولا أبًا ... عليه وما تلفى عليه أبالكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف ... ولا قائل إمَّا عثرت لما لكا
سقاك بها المأمون كأسًا روية ... فأنهلها المأمون منها وعلكا
قال ابن إسحاق: وبعث كعب بالأبيات إلى أخيه بجير، فلما أتت بجيرًا كره أن يكتمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأنشده إيّاها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما سمع (سقاك بها المأمون) صدق وإنه لكذوب، أنا المأمون. ولما سمع: (على أي خلق لم تلق أمّا ولا أبا عليه) قال: أجل لم يلق عليه أباه ولا أمه.
وقد أجاب بجير أخاه كعبًا فقال:
من مبلغ كعبًا فهل لك في التي ... تلوم عليها باطلًا وهي أحزم
إلى الله (لا العزى ولا اللات) وحده ... فتنجو إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم لا ينجو وليس بمفلت ... من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه ... ودين أبي سلمى عليّ محرّم
قال ابن إسحاق: فلما بلغ كعبًا الكتاب ضاقت به الأرض، وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه، ثم خرج حتى قدم المدينة، فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة (والشعراء لهم أصدقاء