راجعين إلى مكة منكسين. وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -كما تقدم- قد حمل معه الخيل والسلاح وترك الجميع ببطن وادي يأجج خارج الحرم استعدادًا للطوارئ وترك على الخيل والسلاح هناك مئتين من أصحابه للحراسة ثم استبدلهم بغيرهم لكي يقضوا مناسك عمرتهم.
[تأثر المشركين بواقع المسلمين المشرف]
قلنا في كتابنا الخامس من هذه السلسلة (صلح الحديبية) إن الذين قدِّر لهم من القرشيين وغير القرشيين من المشركين أن يختلطوا بالمسلمين في الحديبية (مثل عروة بن مسعود سيد ثقيف، وبديل بن ورقاء سيد خزاعة، وسهيل بن عمرو العامري رئيس الوفد القرشي في مفاوضات الحديبية التاريخية) وأن اطلاعهم على حقيقة سلوك المسلمين المشرق وواقعهم المشرِّف قد نسخ من أذهانهم الصورة المشوهة التي كانت الدعاية الوثنية في مكة ترسمها للنبي وأصحابه. مما كان سببًا في فتح قلوب هؤلاء الزعماء والسادة للإسلام. فإن أثر وجود المسلمين في مكة في عمرة القضاء والمظهر الرائع الذي كانوا عليه في السلوك المشرف والانضباط والتقيد بأوامر الدين الجديد. الذي جعل منهم أسرة واحدة يحس كل فرد فيها بإحساس الفرد الآخر. بعد أن كانوا شيعًا متقاتلين وفئات متنابذين لا يلتقون إلا على جداول من دماء تسيل منهم بغيًا وعدوانًا وبطرًا ورياءًا .. - أثر واقع المسلمين وظهورهم في عمرة القضاء بذلك المظهر العجيب. كان في نفوس القرشيين - سادة وعامة أعظم بكثير.
فقد كان ما لمسه القرشيون من تغير جذرى في حياة أصحاب محمد ارتفع بهم نحو السمو والكمال وجعل منهم مجتمعًا فاضلًا. لم تشهد جزيرة العرب مثل نبله واستقامته واتحاده وتآخيه .. كان ذلك من أعظم الأسباب التي أفسحت الطريق لنور الإسلام ليخترق حجب ظلام الجهل والجاهلية ليصل إلى قلوب سادات مكة هؤلاء فيحولهم من كفرة مشركين إلى أخيار مؤمنين وأبطال غر ميامين يحمون بيضة الإسلام ويندفعون برايته مرفوعة فاتحين خارج الجزيرة العربية فيضيفون بقوة إيمانهم وصدق عزائمهم أقاليم عدة إمبراطوريات إلى خريطة دولة الإسلام. مثل خالد بن الوليد وصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وخالد بن أسيد وعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان.