للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أمير مكة الشاب القوي الصالح]

وبما أن مكة المكرمة مدينة كبيرة، ولها منزلة عظمى بين المسلمين حيث بها وحواليها توجد كل مقدسات الإسلام والمشاعر التي يحج إليها المسلمون فقد أصدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبل مغادرته لها - مرسوما عين بموجبه حاكمًا لها، عتاب بن أسيد الزهري، وكان شابًّا في حوالي الثالثة والعشرين من عمره.

وقد اختاره الرسول - صلى الله عليه وسلم - رغم صغر سنه ورغم أنه لم يسلم إلا يوم الفتح - اختاره من بين جميع سادات مكة وأشرافها، لأنه راجح العقل حسن الإسلام وسيد مطاع بين قومه ويتمتع باحترام كبير بين القرشيين، وقد ظل عتاب بن أسيد أميرًا على مكة حتى التحق الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرفيق الأعلى.

وعندما همّ أهل مكة بالارتداد عقب موت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقف أمير مكة الشاب عتاب (وكان حازمًا) وقف موقفًا مشرفًا، دل على متانة دينه وشدة إخلاصه.

وكان أهل مكة أثناء حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - قد شكوا إليه شدة عتاب عليهم، وكان عتاب صلب الإيمان شديدًا على أهل الريبة. فقد جاء في الإصابة لابن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولى عتاب إمارة مكة وهو ابن نيف وعشرين سنة، وعن أنس بن مالك أن عتابًا كان شديدًا على المريب لينًا على المؤمن، وكان يقول: والله لا أعلم متخلفًا عن اهذه الصلاة إلا ضربت عنقه. فإنه لا يتخلف عنها إلا منافق، فقال أهل مكة: يا رسول الله، استعملت على أهل الله أعرابيًّا جافيًا، فأجابهم النبي - صلى الله عليه وسلم - (مزكيًا هذا الشاب الطيب المؤمن القوى): إني رأيت فيما يرى النائم أنه (أي عتاب بن أسيد) أتى باب الجنة فأخذ بحلقة الباب فقعقعها حتى فتح له ودخل، وروي عن ابن عباس في تفسر قوله تعالى: {وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا} أنه قال: هو عتاب بن أسيد (١).

وقال ابن هشام: وبلغنى عن زيد بن أسلم أنه قال: لما استعمل رسول الله


(١) الإصابة في تمييز أسماء الصحابة ج ٢ ص ٤٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>