للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير إمرة حتى فتح الله عليه" (١).

[ما حدث في مؤتة هو فتح للمسلمين بدون شك]

والواقع أننا إذا نظرنا إلى أصل المهمة التي من أجل تحقيقها بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الجيش إلى الشام. لوجدنا أنها مهمة تأديبية فقط. ولم يكن وارد (إطلاقًا) في تعليمات الرسول لقادة هذا الجيش أن يحتلوا أيَّة منطقة من الشام. بل كان الهدف التأديب والانتقام من الغادرين الذين قَتَلوا (غدرًا) رسول النبي - صلى الله عليه وسلم - المبعوث إلى ملك الغساسنة في الجولان. وغدروا بخمسة عشر من الصحابة قتلوهم داخل بلاد الشام وهم بعثة سلام مهمتهم دعوة الناس إلى الإِسلام بالحسنى.

فهي (إذن مهمة تأديب وانتقام) على الجيش أن يقوم بها ثمَّ يعود إلى المدينة. ولكن هذا الجيش الصغير (ثلاثة آلاف مقاتل) فوجئ بما لم يكن في الحسبان. حين وجد نفسه أمام مائتي ألف مقاتل من الرومان والعرب المتنصرة. ولكن قادة الجيش (مع ذلك) واصلوا تحرّكهم حتى اصطدموا بالرومان وحلفائهم في (مؤتة) على النحو الذي فصلناه. فقاتلوهم سبعة أيام (ورغم قلتهم وكثرة العدو) أنزلوا بالعدوِّ (وخاصة بعد تسلم القائد خالد قيادة الجيش) خسائر قادحة وقتلوا ضمن من قتلوا (سدوس) أخا شرحبيل بن عمرو الذي غدر برسول النبي - صلى الله عليه وسلم - الحارث بن عمير فقتله (صبرًا). كما قتلوا القائد العام لقوات العرب المتنصرة. مالك بن رافلة (٢).

كما أن القائد ابن الوليد (على أصح الروايات) لم ينسحب بالجيش من (مؤتة) إلى المدينة إلا بعد أن ترك الجيش الروماني في حالة اضطراب وهزيمة.

إذن فالجيش النبوى لم ينهزم ولم يفر من (مؤتة). وإنما انسحب بعد أن قام بالمهمة التي أوكلها إليه الرسول القائد - صلى الله عليه وسلم -. . وذلك الذي صنعه خالد بن الوليد هو عين الانتصار والفتح، كما أكد ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم.


(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٩٢.
(٢) البداية والنهاية ج ٤ ص ٢٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>